للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مادامت سوق الشفاعات رائجة عندها.

درس من سلانيك

١٤

بينما كنت مأخوذاً بما أشاهده من مظاهر عظمة الأمة الفرنسوية وأقرأ مثالاً مجسماً من الارتقاء الغربي ولا أفرغ ليلي ولا نهاري من زيارة المعاهد العلمية وحضور الدروس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأغوص في مكاتب باريز ولا سيما مكتبة الأمة ومكتبة السوربون وبينا تكاثرت عليَّ المواد وأنا لا أعرف بأي لسان أعبر ولا بأي قلم أحبر وبينا أنا أفكر في بلادي وما يجب علي أن أكتب لها مما تأثرت به عواطفي وأخذ بمجامع قلبي حمل إليّ البريد من سلانيك كراسة باللغة الإفرنسية من قلم صموئيل سام أفندي ليفي رئيس تحرير جريدة سلانيك الفرنسوية وهي محاضرة ألقاها في نادي الإتحاد الرياضي في ذاك الثغر أواخر الشهر الماضي عقيب عودته مع جماعة العثمانيين الذين ذهبوا لزيارة بلاد النمسا والمجر منذ مدة فرأيت أن ألخصها للقراء ليعلموا إن تأثر العثمانيين واحد عند زيارتهم الديار الأوربية وأن ابن سورية إذا أقامه ما شاهده في غربي أوربا وأقعده بما فيها من آثار العمل والجد فإن ابن مكدونية لا ينقص عنه تأثراً في ما شاهده من أواسط أوربا وشعور أبناء الوطن واحد. قال الكاتب السلانيكي:

في ستة وعشرين يوماً ساح مائتان وخمسون رجلاً من أهالي الأستانة وسلانيك وأزمير وغيرها من مدن الداخلية سياحة كبرى قطعوا فيها ٤٥٠٠ كيلومتر في السكك الحديدية و ١٥٠٠ في البواخر والعجلات والسيارات وعلى الأرجل فوقفنا في خمس وعشرين مدينة كبرى وصغرى وزرنا نحو ١٥٠ داراً صناعية ومعهداً علمياً أو مدرسياً وفنياً وإدارياً ومتحفاً وغيره وحضرنا مئة دعوة وغيرها أقامتها لنا ١٥ جمعية و٢٥ غرفة تجارة وحكومة النمسا والمجر فلم يبق من تلك الرحلة التي تذكرنا السائحين جولن وماين ريد إلا أن نذكر شيئاً من ذلك الحلم الذي مر علينا في رحلتنا ونتثبت من تلك الأشباح لنحسن الانتفاع بها في مادياتنا وتكون لنا علماً ودرساً نافعاً ولقد كانت غايتنا من رحلتنا اقتصادية لندرس دور الصناعات والأوضاع التجارية والمدرسية والإدارية عن أمم ولكن المسائل الاقتصادية والاجتماعية كما قال البارون هلوموتسكي فيما خطبنا به لها مساس كلي