بالمسائل السياسية وبينها روابط ولوازم ولا سبيل إلى البحث في الأولى مع إغفال الثانية.
ولقد كنا نقضي العجب من كل ما يقع نظرنا عليه حتى كنا نتساءل عما إذا كان ما تقع عليه أنظارنا من مدهش الأعمال هو من صنع أيدي البشر وهم الذين قاموا بهذه العجائب وبحق ما قاله النائب الدكتور رضا توفيق رئيس جماعتنا السائحين عندما غادر النمسا إن أغنى اللغات عاجزة عن بيان الشعور الذي نتأثر به كلنا كما ينبغي لما لقيناه من الحفاوة الخارقة للعادة مدة مقامنا في بلد بلغ هذه الدرجة من الرقي. نعم لقد تجلت لنا بلاد النمسا والمجر مملكة دخل إليها التجديد من كل أطرافها وتناول كل فرع من فروع أعمالها الخاصة والعامة.
وكثيراً ما اتفق لنا أن زرنا معهدين أو ثلاثة في فرع من فروع الصناعة وفي أقاليم مختلفة فكنا نجد في كل منها أساليب العمل التي يقضي بوجودها العلم أعمالاً كمالية تابعة وتحسينات خاصة ومحلية تدل على الإقدام الذاتي وقوة إرادة شخصية وحب في البحث وكلها ظواهر محسوسة لعمل عام ونشوءٍ متواصل. كنا نشهد ذلك في كل الفروع الصناعية والفنية والمدرسية والإنسانية. ولكثرة عنايتنا بالسؤال عن معاهد الإحسان ومعونة العملة ترآءى لنا أن النمسا في مقدمة الأمم في هذا الباب ومن ذلك أن ٤٢٠٠ من العملة العاجزين يعيشون في لاينز بالقرب من فينا لا على قدر الكفاية فقط بل يعيشون كما يعيش الملوك. وما ننس لا ننس ملجأ المرضى العصبيين في شنهوف وفيه ٣٦٠٠ عامل يعاملون كما لو كانوا في قصور ملكية وهم موزعون عَلَى ٦٤ بناية في مسافة من الأرض تتجاوز مساحة مدينة سلانيك وقد صرفت عليها حكومة النمسا السفلى ستين مليون كورن فقط لا غير.
وبينا كان رفقائي في رحلتي يدهشون من زيارة المعامل والمصانع ودور الصناعات عَلَى اختلاف أنواعها في بلاد المجر والنمسا ومورافيا وبوهيميا وستيريا وغيرها كان يلفت نظري خاصة منظر اتفقوا عَلَى تسميته باسم مملكة هابسبورغ. فإن هذه المملكة هي في الحقيقة رقعة شطرنج فيها غرائب الفسيفساء من العناصر المختلفة والوطنيات الغير متجانسة ولكن هذه الجماعات على اختلاف أصولها قد اجتمعت ليكون مجموعها مثال جمال ولطف وتنوع وما كانت وحدة هذا المزيج إلا نتيجة نظام الحكومة المركزية وحسن مأتاها وبعد نظرها فرأت أن تترك لكل قوم استقلالاً إدارياً كان غاية الغايات في إبداعه