وبذلك توقت الصدمات الهائلة ولم يحدث حتى الآن ما يكدر صفو الراحة. وهذا الرأي في توسيع سلطة الأقاليم لم يكن منه الوحدة الجوهرية فقط لما فيه من احترام القوميات بل نتج منه ارتقاء خارق للعادة في جميع فروع العمل وذلك أن كل قطر له من نفسه غنى طبيعي غزير ورجال نوابغ أذكياء هم خيرة رجاله فاستطاعوا الانتفاع بما حوت بقاعهم وكان من ذلك أن استمتع كل جماعة بما لهم من الحقوق فنشأت المنافسة بين العناصر المختلفة وأخذت كل واحدة منها تضاعف عنايتها وتكثر من جهادها فأوجدوا بذلك مجموعة من بدائع الأعمال منوعة الأساليب تمت في عامة فروع الجهاد الإنساني وكان ذلك من أهم المشاهد وأجملها التي وقع نظرنا عليها في رحلتنا وأحسن معلم لنا معاشر العثمانيين.
تأَلفت مملكة هابسبورغ من زواج أمراء بعضهم من بعض عَلَى حين كانت الانقسامات الداخلية سبباً لضعف تلك المملكة ولطالما طحنتها مطامع جيرانها واعتداؤهم ولكن لما عزمت الحكومة أن تمنح العناصر المختلفة التي يتكون منها جسم المملكة دستوراً قائماً عَلَى المبادئ الحرة في مراعاة الحق العام الحديث بدأ نهوضها وارتقاؤها إلى الأمام.
فعلى نواب العثمانيين في مجلسنا النيابي أن ينظروا في أمر العناصر العثمانية ويحلوها كما حلتها النمسا والمجر التي كانت في حالة أشبه بحالتنا اليوم منذ نصف قرن فأحسنت حلها عَلَى ما يجب فهي سابقتنا في هذا الباب وما عينا إلا أن نأخذ عنها وبذلك نأمن العثرات ولا نسير على غير هدى.
وهنا التفت إلى رفاقي في الرحلة الذين دخل عليهم اليأس من ارتقائنا مما شاهدوه من الشوط البعيد الذي قطعه جيراننا.
فأقول لهم أن ما شاهدناه عندهم ليس إلا ثمرة عمل عظيم وجهاد منظم وإرادة قوية وأساس راسخ وإذا أحببنا أن نبلغ بأمتنا مبلغهم فما علينا إلا أن نمد نحن يد مساعدتنا للدستور ونستخدم جميع القوى الحية في الأمة وأن تعمل الحكومة عملاً فعالاً لما فيه إنهاض الشعب كما عَلَى الشعب أن يعمل لمعاضدة الحكومة الصالحة وبالجملة أن يعمل كلاهما بل يعمل الكل للواحد والواحد للكل ويعرف كل الواجب عليه ونكران النفس والمفاداة.
وهنا خاض الكاتب في مسألة نهوض العثمانيين وأنها موقوفة على التعليم وأننا لا ننجح إلا إذا حذونا على الأقل حذو البلاد التي كانت تابعة لنا بالأمس كممالك البلقان مثلاً وأرسلنا