لناموس الربح والخسارة بل تنفق جزافاً وتسرف إسرافاً. ورجال الحكومات والبلديات في العالم يقدرون فائدة أعمالهم ببعض الآراء الوطنية والسياسية والدينية والصحية والإدارية والشخصية فقد كان الناس في القديم عندما كانوا ينهكون بوضع الضرائب يتعزون بأن ما يؤخذ منهم يعود عليهم حتى قال فولتير في القاموس الفلسفي أن ملك انكلترا يأخذ كل سنة مليون ليرة انكليزية وهذا المليون يعود برمته بإنفاقه له عَلَى أمته ولكن الاقتصاديين ردوا هذه الأوهام وقالوا أن الخراج يستولي عَلَى كل شيء من الدخل والخرج والوفر ولرؤوس أموال أرباب الأملاك والمباشرين للأعمال الكبرى والعامل وأن هاته الطبقات لو توفر لها ما تقاضته منهم الدولة لتنفقه عَلَى الموظفين والجند لكانوا هم أيضاً أنفقوه ولتيسر لهم أن يقتصدوا منه جانباً ينفقونه في تحسين أراضيهم وأعمالهم وربما كان للعامل من هذا الوفر رأس مال له ولا يزال إلى اليوم أناس ممن يزعمون أنهم عَلَى شيءٍ من العلم والتجارب يقولون في الأعمال الغير المثمرة وماذا يضر ذلك ما دام المال ينتقل من يد إلى أخرى. يقولون هذا وهم لا يدركون أن الأموال التي تصرف في أعمال عامة لا فائدة منها مثل الطرق البحرية بل هي ملقاة في المياه وضائعة ضياعاً لايرجى معه رجعة وأن الإسراف في هذا المال يقلل من رؤوس الأموال الموجودة كما يقللها الحريق والغريق.
يقتصد الاقتصاديون من مال الحكومة لأن مالها هو مال المكلفين. قالوا أن الخراج والجباية الباهظة تقضي عَلَى نشاط العاملين. فالعثماني لا يعمل متى علم أن الباشا سيسلبه ما ظهر من أرباحه. الخراج لم يغن قط أمة وإن أحسن الكرم الذي تعطف به حكومة عَلَى محكومين أن تتناول من المكلفين أقل ما يمكنها من الجباية والوزائع. والمكلفون هم العالم أجمع. ولذلك قال كبار الاقتصاديين أن الحكومة في اسبانيا هي الجرح النغار في جسم البلاد.
قال الاقتصادي شارل دونويه أن الحكومة هي المغنية في الحقيقة ونفس الأمر. وليس معنى هذا أنها هي التي تصنع المصنوعات بل لأنها تحمي الصانع في صناعته وتزيد في تأمينه وراحته فإذا حصلت أرباحه وقدرتها عَلَى ما يجب من الاعتدال يقوم غيره من أرباب الاقتدار ويجمعون رؤوس أموال ويحسنون الزراعة. فإغناء الحكومة هو توزيعها الثروة في الناس عَلَى نصاب العدل وذلك لأن الحكومة كما قال المشار إليه إذا ارتفعت حمايتها ولم تمد جناح أمنها عَلَى ما يجب تفقد الثروات قيمتها الحقيقية وتنقطع القوى المنتجة عن