القوة وفكر الاشتراك الذي يدعو أبناءَ النبعة الواحدة إلى التكافل والتضامن في أعمالهم ويكون رائدهم الوئام لئلا يدخل فيهم الخصام والانقسام بكون تعليمهم حقيقياً كما يقول الألمان ونافعاً في مجموعه وجهته بحيث ينبه في كل مكان روح التفكر والاعتماد عَلَى النفس والإقدام على العظائم.
إبان البحث في المدنيات القديمة التي كان أساسها حتى الآن من الفلسفة أو من الدين إن الإلحاد والاعتقاد لم يستطيعا أن يؤلفا وحدة باقية بين فكر الاشتراك وعمل الفرد وإن تربية هذا أساسها تؤَدي عاجلا أو آجلاً إلى الضعف والاختلال ولا سيما في العصر الحاضر فإنها تؤَدي إليهما أكثر من الحرية الغير المحددة في التفكر والكتابة ونشر الآراء عَلَى اختلاف أنواعها بواسطة الصحافة الرخيصة. وليس كالعلم دواءٌ أنجح من هذا الداء فالعلم منبع التفكر والعمل والإخلاص الذي لا يطلب به صاحبه غرضاً وبالعمل النافع وبطريقة العلم تنتظم الأفكار العامة بنظام حسن وبها تضمن له وحدة الاتقاء مع ترك الحرية المطلقة لفكر الفرد. وبطريقة التعليم ينتفع من المتوسطين في ذكائهم المواظبين على أعمالهم فيخدمون خدماً حقيقية في الأعمال الصناعية والزراعية. إن صاحب الذكاء الحدود إذا جمع إليه عامة صفات العمل المتصوَّر لا يكون منه في الأدب ولا في الفلسفة إلا أمور تافهة. وعندما يجيءُ زمن تزول فيه كل سلطة قائمة عَلَى العهود الاجتماعية يؤَسس العلم سلطة لأراد لحكمها ولا أسطع من نورها تنشأُ عَلَى أصول راسخة عَلَى الأكفاء العاملين. وبتنظيم طريقة التعليم يجتنب الإسراف في الوقت والقوة بتلقين عادات التؤدة والنظر والتدقيق والبساطة في الأذواق منبهة شعور الظلام والجهل مع الرغبة في إمحائهما داعية المرءَ بما فيه من الصفات الأخلاقية والعقلية لا بما فيه من القوى الطبيعية ووجدانه في العمل وصدقه في الحكم وطريقة التعليم تورث العقل نظاماً وتعود الفكر عَلَى البحث والقلب عَلَى الصبر والجسم عَلَى النشطة وهي الكفيلة بتربية أبناءِ المدينة الفاضلة.
ولقد اضطر المربون الأول في فرنسا أن يقبلوا إرث اليونان والرومان في العلم عَلَى ما فيه من الجاذبية والمخاطر وكانت دراسة اللاتينية أولاً فرضاً ثم ضارعتها اللغة اليونانية وحذفت من الدروس تعلم اللهجة الفرنسوية وظلت المناقشات السفسطائية والجدالات المذهبية زهاءَ ألف سنة مستولية عَلَى القوى العقلية في الأمة فأصبحت الواسطة غاية