النساء أنهن يحرصن عَلَى اصطحاب هذه الأداة حتى في المطبخ!
هذه الطبقة اللامعة التي تغطي سطح زجاج المرآة من وراء والتي بسببها تنعكس صوركم إلى عيونكم ـ هي مزيج من القصدير والزئبقِ.
والزئبق معدن أبيض لونه كلون الفضة وإذا كانت حرارة الهواء اعتيادية كان الزئبق في حالة ميوعة. حتى إذا أردت القبض عليه بيديك فر وتفلت من بين أصابعك. ومن أجل ذلك كنى عنه غواة الكيمياء القديمة بالعبد الفرار. واشدوا في بعض منظوماتهم:
خذ الفرار والطلقا ... وشيئاً يشبه البرقا
فإن أحكمته سحقا ... ملكت الغرب والشرقا
ومعدن الزئبق يذكرنا بالفضة. انظروا أدوات الفضة. ها هي منضودة بعضها فوق بعض في الخزانة. انظروا الملاعق والشوك ما أشد لمعانها وما أكثر بريقها. والفضة من المعادن الثمينة. وهو قلما يتغير لونه مهما تعرض للهواءِ وهناك معدن آخر أثبت منه وأقل تغيراً. هو معدن الذهب. انظروا إلى خاتمي هذا: فهو من الذهب. ولست في حاجة إلى جلائه أو تنظيفه. فإذا ضفتم إلى هذه المزية مزية لمعانه الجميل ومزية ندرة وجوده عرفتم إذ ذاك مبلغ نفاسته وفضله على سائر المعادن. والنقود ذات القيمة العالية تتخذ من الذهب لكنهم يضيفون إليها قليلاً من معدن النحاس ليكسبها فضل صلابة. هلموا بنا أيها الأولاد تضع كل شيءٍ في محله ونرتب الأدوات الفضية كما كانت أولاً ولنعد النظام إلى هذه المملكة فإن المطبخ هو مملكة (الحاجة) التي لها فيها مطلق التصرف.
كيف أيها الأولاد أما جعتم؟ إن هذه الروائح الطيبة المنتشرة فوق القدور تبشرنا بغذاء شهي لذيذ. ها هو اللحم ينضج. وإني أقول لو كانت طباختنا (الحاجة) هي وقدورها في بلاد (الإسكيمو) لكان لها شأْن بذكر.
قالوا ولماذا يا أماه!
قالت الإسكيمو سكان الشمال حيث الجليد الدائم وليس لديهم معدن يتخذون منه قدوراً ولا تراب يصنعون منه أواني خزفية. فإن التراب إذا استحكم جفافه أصبح صلداً صبوراً عَلَى احتمال النار. ومن لم يقدر عَلَى اقتناء قدر من نحاس اقناها خزفاً. وإذا فقد النحاس والخزف فكيف يمكنه طبخ طعام! والإسكيمو كيف يصنعون؟