فكرة الوطنية متجلية في صورة مؤثرة ذات بأْس ومضاءٍ بحيث خضعت السياسة لسلطانها ووضعت أسس الوحدة الوطنية. والأفكار الفرنسوية هي التي طهرت رياح الإصلاح والنهضة وقادت الأفكار القديمة إلى التجديد وأنارت العالم بقبس أنوارها. والأفكار الفرنسوية هي التي حملت إلى العالم في عهد فولتير ومونتسكيو أفكار التسامح الديني والعدل الاجتماعي والحق والإنسانية. والفكر الفرنسوي هو الذي سنّ المباديء الخالدة في دساتير الأمم المتمدنة بأسرها. فمن فرنسا نشأت حرية البلجيك وحرية اليونان وحرية إيطاليا وحرية العثمانية. وفرنسا مهد الأدب تنشر أنواره فتتناوله الأجانب وتتقبله بقبول حسن وهي البلاد التي اشتهرت بعلمائها وصناعها.
ومن كلية باريز اخترع أمبير اختراعاته التي لولاها لما اخترع التلغراف اللاسلكي والسلكي والتلفون ولم تتم عجائب الكهربائية الصناعية. وفي كلية باريز أحدث باستور انقلابه العظيم في علم الحياة الذي جعله المحسن إلى الإنسانية في العالم أجمع. وفي كلية باريز حقق برتلو الطريقة الصناعية في المواد العضوية فنشأت منها الكيمياء الحديثة. وفي كلية باريز اخترع كوري وقرينته الراديوم واهتزت في أيديهما ذراته. وفي معامل كلية باريز أوقد مواسان للمرة الأولى التنور الكهربائي كما اخترع غيره التصوير الشمسي بالألوان كانت هذه الكلية كما قلنا أعظم كليات القرون الوسطى فجعلوها سنة ١٨٩٦ كلية تليق بعظمتها الماضية بحيث لم تفقد مكانتها العلمية وفيها اليوم زهاء ثلاثمائة أستاذ يفيضون كما أفاض أسلافهم عَلَى العالم من علومهم ولا سيما على أميركا الجنوبية وبوهمييا والبلاد المصرية والعثمانية وكانت هذه الدار رسول السلام بين الأنام ومعلمة الناس كيف يكون التجانس الروحي والإخاء العام. ولكم كان أساتذتها يسيحون في بث ما علمهم الله في البلاد التي يقل فيها العالمون ولكم أنشئت في حجر هذه الدار جمعيات تريد التقريب بين الشعوب وتعليم الجاهل منهم ولكم رنت في غرفها وقاعاتها أصوات الخطاء من علماء الأرض أتوها يحملون إليها نتائج أبحاثهم ودروسهم. فإن كانت كلية باريز أمَّ كليات براغ والأستانة ومصر وغيرها من كليات البلاد اللاتينية وأميركا اللاتينية فهي تفاخر بأنها أم كليات إنلكترا وإيكوسيا.
ويؤخذ من إحصاء سنة ١٩٠٧ ـ ١٩٠٨ أنه كان في هذه الكلية ١٧٣٠٣ طلاب منهم