والمطبوعات الموجودة في مكتبة الأمة في عاصمة الفرنسيس لو نقلت إلى ليبسيك أو مونيخ أو برلين أو فينا أو أكسفورد أو مانشستر أو لندرا أو نيويورك أو شيكاغو لانتفع بها وتيسر سبيل الوصول إليها لأنها تكون هناك مفهرسة مبوبة عَلَى طريقة فيها روح القرون الوسطى وقد جعلت هنا على أسلوب قريب المأخذ سهل التناول خال من القيود التي تقيد المطالع والمراجع. فإن كانت فرنسا في مقدمة شعوب الأرض من وجوه كثيرة ولا سيما في الأمور الذوقية وبدائع الصناعات والإصلاحات الدستورية والإنسانية فقد فاقها غيرها من الممالك المجاورة من حيث الفنون والاقتصاد والاجتماع فعرفوا كيف يطبقون أنفسهم عَلَى الذوق العصري.
مثال ذلك صناعة الوراقة أو بيع الكتب فإنا نجد ألمانيا أرقى من فرنسا فيها مع كثرة تفنن الفرنسيس فيما يدل على سلامة الذوق حتى أن ليبسيك في ألمانيا تبيع وحدها من الكتب قدر ما تصدر فرنسا كلها ومن الغريب أن الكتبية الألمان في نفس باريز تجدهم أمهر في تصريف كتبهم فيبيعون كمية أوفر من كتبية الباريزيين.
جاء في كتاب ألمانيا الحديثة أن ألمانيا أعظم البلاد إصداراً للكتب فقد كانت أوائل القرن الماضي لا تخرج في السنة سوى ٣٩٠٠ كتاب فأصدرت سنة ١٩٠٥ ٢٨٨٨٦ كتاباً في حين أن فرنسا التي في الدرجة الثانية بكتبها لم تصدر سنة ١٩٠٤ سوى ١٢١٣٩ كتاباً فإذا قدّر أنه يطبع من كل كتاب في ألمانيا ألف نسخة فيصيب كل شخص فيها عَلَى أقل تعديل مجلد واحد فصناعة الكتب في ألمانيا رابحة جداً. وقد كان عدد المحال التي تتعاطى تجارتها سنة ١٩٠٥ ٧١٥٢ محلاً تصدر إلى الخارج فقط ما قيمته ٢٩٠ مليون مارك.
زرت في جملة الكتبية الذين زرتهم أو ابتعت منهم بعض الكتب مكتبة هاشيت المشهورة في جادة سان جرمان وهي ثلاثة طوابق وفيها نحو ألف وخمسمائة موظف ومستخدم وتطبع فيها بضع جرائد ومجلات كما تطبع الكتب المدرسية والأدبية والتقاويم السنوية المشهورة في العالم وهي مؤسسة منذ نحو ثلاثة أرباع قرن ويعد هاشيت من أعظم كتبية العالم إن لم يكن أعظمهم ومع هذا يقول العارفون أن مكتبته عَلَى حالتها الحاضرة لو كانت لجماعة من الألمان أو الأميركان لأدهشوا العالم بنظامهم وأرباحهم. فكأن دم الفرنسيس الذي على زمناً قد برد اليوم وأصبح الدم الجديد غيره الآن يغلي فيدهش بحرارته. ومن مكتبات