يتعلم المرءُ كلمات وجملاً وقواعد نحوية وصرفية بل أن يدخل في حياة الشعب الغريب عنه فبعد أن يدرس الطالب قوانين لغة أمة يحيط علماً بأخلاقها وتاريخها وآدابها وكيفية تصورها معنى الحياة وخير الذرائع لبلوغ هذا القصد الرحلة إلى البلاد التي يتعلم المرءُ لغتها فيها زمناً وهذا ما يجب أن يكون من دعائم التربية اليوم كما كان فتيان المتسلمين في رومية يسيحون في بلاد يونان في سالف الأزمان. واستحسن المتآمرون الإكثار من الإنفاق على المتعلمين ما يقوم برحلاتهم ودعوا البلديات والأسرات والجمعيات والحكومات والمحسنين إلى التنافس في هذا المضمار لأن مثل هذه الرحلات توسع الفكر وتشحذ النشاط وتنبه الشعور بالانتقاد وتقوي الوطنية بالمقابلة بين البلاد ومن أهم نتائج هذه التربية الحديثة تقريب ما بين قلوب الأمم المتمدنة.
وانعقدت في أكسفورد ببلاد الإنكليز جمعية اللغات الحديثة فقال الرئيس في خطاب له أن أغنية رولاند ونبلنجن ليد لا تقومان مقام أغاني هوميروس ولا دانتي يخلف فيرجيل مرشده وأستاذه ولا بسكال يضطرنا إلى نسيان أفلاطون ولا بوسويه ينسينا شيشرون ومعنى هذا أن من رأْيه أن التربية الأدبية الكاملة تتطلب دراسة كتب القدماء كما تتطلب درس آثار المحدثين وأفاض على هذا النحو متناولاً الموضوع الذي أجمع عليه مؤتمر باريز ورأَى أن تعليم اللغات كما هو شائع الآن في إنكلترا تعليماً سطحياً ويراد منه التفهم مع الأجانب اللا تجار هو ناقص الجهاز والأولى التعمق في الدراسة.
التربية في الهواء
أخذ علماءُ التربية منذ حين في ألمانيا وفرنسا يبحثون عن الطرق التي يعلمون بها التلامذة في الهواءِ الطلق ويخلصوهم من ازدحام الأنفاس في صفوف المدارس لما فيها من إضعاف أجسامهم وإنهاك صحتهم وذلك بدون أدنى نقص في تعليمهم وممن عني بهذا الموضوع الأستاذ فلات أحد مديري المدارس العالية في ألمانيا فكتب بعد التجارب العديدة في أبناء مدرسته أن تعليم التلاميذ في الهواءِ الطلق لا يناسب إلا الأولاد الذين تقدموا قليلاً في السن وفي هذه الحال يعلم التلامذة أصول الرياضة البدنية ولا يصعب تعليمهم خارج الصفوف دروس العلوم الطبيعية والتاريخ والجغرافيا واللغات الحية والرياضيات وقد أَلف في هذا الموضوع كتاباً تداولته الألسن بالثناءِ.