فليقرر ما يأتي: إن أثر اللغة الافرنسية كبير جداً وقد فاق غيره في جميع العالم الإسلامي في البحر المتوسط وآسيا السالفة ولكن أثرها بالنسبة لغيره حديث العهد وكانت البواعث إليها: ١ً ـ الاصطلاحات التي جرت في البلاد العثمانية على عهد السلطان محمود. ٢ً ـ تنظيم محمد علي لمصر نحو ذاك العهد أيضاً وما تركه الفرنسيس من ألفاظهم فيها بعد حملتهم على مصر سنة ١٧٩٩. ٣ً ـ فتح الجزائر. ٤ً ـ الصلات التي نشأت بين فرنسا وفارس وقد بدئ بها في أوائل القرن التاسع عشر على أيدي بعثة جوبر والقائد غاردان ثم أعيدت بعيد حين. ٥ً ـ شدة ميل المسلمين في البلاد العثمانية ولا سيما في فارس لتعلم الآداب الفرنسوية والانطباع بالأفكار الفرنسوية.
وأنت ترى بهذا أن نفوذ فرنسا في الشرق غير بعيد العهد لا يتجاوز القرن الواحد وهو قوي للغاية على الرغم من تقلص ظل سياستنا من البلاد العثمانية مدةً من الزمن وعلى تداخل إنكلترا في مصر وقلة علائقنا مع فارس فتأيد نفوذنا أبداً في تلك البلاد التي لم يبق فيها أولئك الشعوب الذين هم أكثر منا مضاءً في الأمور السياسية والاقتصادية شيئاً من لغاتهم إلا القليل الذي لا يؤبه له ولا ننسى أن تأثير اللغة الفرنسوية قد استحكم في اللغات التترية في روسيا ولكن لا مباشرة بل دخلتها الألفاظ من الافرنسية بواسطة اللغة الروسية أو اللغة التركية العثمانية.
أما تأثير اللغة الإنكليزية فضعيف وهو مقصور على الصحافة العربية في مصر والصحافة الفارسية في الهند (بقطع النظر عن اللغة الهندستانية وسائر لغات الهند الوطنية) التي تعمد كل حين إلى استعمال كمية من الألفاظ الفرنسوية وليس الإنكليزية في فارس غير أثر ضئيل جداً ولا أثر لها في التركية إلا ما كان من بعض التعابير العلمية والبحرية وأكثرها في السباق وأنواع الارتياض.
وبعد ذلك فإن تأثير اللغة الإيطالية قديم ثابت باق فهو يرد إلى الزمن الذي كانت فيه البندقية دولة بحرية قوية في البحر المتوسط وما زالت اللغة التركية العثمانية منذ ذاك العهد تأخذ عن اللغة الإيطالية جملة من الألفاظ لا العلمي منها فقط (مثل ألفاظ الملاحة والتجارة والصناعة وغيرها) بل ألفاظاً شائعة في الاستعمال وكان للغة العثمانية أن تكتفي بما عندها من مقابل لها مثل لفظة فامليا التي تتجلى فيها اللهجة البندقية كل التجلي وكذلك كان من