وذلك أن الملائكة اجتنوا فلم يروا وإن آية وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً إشارة لقول قريش أن الملائكة بنات الله (قال) وقد قال الأعشبي ـ أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري وهو يذكر سليمان بن داود وما أعطاه الله:
ولو كان شيءٌ خالداً ومعمرا ... لكان سليمان البري من الدهر
براه إلهي فاصطفاه عباده ... وملكه ما بين ثريا إلى مصر
وسخر من جن الملائك تسعة ... قياماً لديه يعملون بلا أجر
(قال) فأبت العرب في لغتها إلا أن الجن كل ما اجتن يقول: ما سمى الله الجن إلا أنهم اجتنوا فلم يروا وما سمى بني آدم أنساً إلا أنهم ظهروا فلم يجتناوا فما ظهر فهو أنس وما اجتن فلم ير فهو جن.
ثم قال ابن جرير: وأما خبر الله عنه أنه من الجن فغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الأبصار كلها جناً كما ذكرنا قبل في شعر الأ شى فيكون إبليس والملائكة منهم لاجتنابهم عن أبصار بني آدم:
وقال الراغب الصبهاني في مفرداته: الجن يقال على وجهين (إحداهما) للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بازاءِ الأنس فعلى هذا تدخل فيه الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة وعلى هذا قال أبو صالح: الملائكة كلها جن وقيل بل الجن بعض الروحانيين وذلك أن الروحانيين ثلاثة (أخيار) وهم الملائكة (وأشرار) وهم الشياطين (وأواسط) فيهم أخيار وأشرار وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى قل أوحي إليَّ إلى قوله عز وجل وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون.
من ادعى من الأعراب والشعراء أنهم يرون الغيلان ويسمعون عزيف
الجان وما يشبهونه بالجن والشياطين وبأعضائهم وأعمالهم
أنشد أعرابي:
كأنه لما تدانى مقربه ... وانقطعت أوذامه وكربه
وجاءت الخيل جميعاً تذنبه ... شيطان جن في هواء يرقبه