مثال ذلك مدينة باريز مهد الحضارة اللاتينية فإنك تجد معظم مشاريعها ومتاجرها ومصانعها لشركات ومشاريع الأفراد ومتاجرهم ضعيفة ضئيلة لا تكاد تحيا حتى تموت وكلها آيلة طوعاً أو كرهاً إلى الاندماج في سلك الاشتراك مع الجماعة. دخلت كثيراً من مخازن باريز فكنت أشهد على قلة إلمامي بفن التجارة روح الجماعة مرفرفة عليها وتعدد القوى زائدة في نمائها وحسن الذوق وسلامة الإبداع تتخلل أرجاءها وتزيد بهاءها.
باريز أعظم بلد تصرف فيه السوق المالية والتجارية والصناعية من فرنسا ورؤوس أموالها مقدمة جميع متاجرها ولا تفوقها في ذلك إلا لندر. وقد بلغ عدد ما في باريز من البيوت المالية والمصارف وشركات الضمان فقط زهاء ألفي محل توشك أن تكون كلها لشركات وأعظم متاجر باريز بل فرنسا تجارة الأطعمة المحضرة والأمتعة والثياب والأزياء وكلها مهمة جداً لا بكثرة عددها بل بمكانتها وفخامتها وانتظام أعمالها.
زرت بعض هذه المخازن من مثل لابل جارندنيير والرنتان والبون مارشه واللوفر ولافييت ودوفاييل وكل واحد منها يبتاع بما حوى قطراً واسعاً من أقطار الشرق ويحتاج وصفه إلى الكلام ساعات على شرط أن يكون المتكلم عارفاً بالتجارة وما يتصرف أو يتوقف عليها وتتوقف عليه وكل مخزن يعد مستخدموه وموظفوه بالمئات ففي مخزن دوفايل وهولفرش الدور والقصور وما يلزم لها من الأثاث والخرثي والرياش والأواني والسرر والصناديق والمقاعد والمتكآت والكراسي وأدوات الطبخ وكل ما يتصرف تحت أنواع الزينة والتبرج والبذخ والرفاهية ما يأخذ بمجامع القلب ويعد من أغرب غرائب الغرب. ولا يقدر المرء أن يطوف هذا المخزن في أقل من ثلاث ساعات إذا أحب أن يلقي نظرة واحدة على ما فيه من التحف والأمتعة الثمينة وهو قصر فخيم جداً لم أر أجمل من نقوشه البديعة وبنائه العظيم سوى متحف اللوفر ومتحف فرسال ودار المجلس البلدي الباريزي. وفي مخزن دوفايل محل للتمثيل ومحل للموسيقى ومحل لألعاب السينما توغراف يختلف إليها الزائرون بأجور معتدلة جداً والغرض منها أن يمروا ببعض مخازن ذاك المحل الكبير فيكون مرورهم بها وإلقاء أنظارهم عليها بمثابة إعلان عما فيها من الأعلاق النفيسة وببركة الإعلان يشتري من لم يكن تحدثه نفسه بالشراء.
ومن الغريب أن هذا المكان الذي لا يشبهه في الفخامة إلا أرقى قصور الملوك والأمم كما