إلى أن تكون مدينة شرقية منها إلى أن تكون مدينة غربية ويقال أنها ترتقي سنة عن سنة ارتقاء يحسدها عليه حتى الأوروبيون الراقون وعجبت لما سمعت بعض الألفاظ التركية يستعملونها مع اللغة البلغارية حتى الآن كأنهم تركوها عضواً أثرياً يذكرهم بأيام حكم الأتراك عليهم.
وعند الظهر سار بنا القطار يقطع بلاد البلغار ووصلنا إلى جسر مصطفى باشا في ولاية أدرنه أو التخوم العثمانية عند العشاء وهناك جاءنا رجال شرطتنا يدمدمون ويبرقون ويرعدون يحكمون على هذا بالجزاء النقدي ويعفون عن ذاك ويطلبون من هذا جوازاً ومن الثاني أن ينبشوا صوانه وهميانه ومن الثالث أن يفتشوا صندوقه ويراقبوا كتبه والخلاصة تغيرت معنا الحال من الأعلى إلى الأدنى حتى بلغنا بلادنا فرأينا الانحطاط بادياً عليها في كل شيء وإداراتها هي تلك الإدارة الاستبدادية بعينها لم يعدل الدستور من شدتها وما زلنا على ذلك حتى بلغنا صباح الغد الأستانة عاصمة سلطنتنا العثمانية.
عاصمة السلطنة العثمانية
صقع جميل وسواحل بديعة ومناظر رائقة وسماء صافية ورفاهية مفرطة وأنس دائم فمن المضيق إلى الخليج إلى جزر البحر إلى متنزهات منقطعة القرين إلى غابات ملتفة وجبال مكسوة وعيون خرارة وكل ذلك بهجة النفس والخاطر وهذه هي الأستانة وأحياؤها وضاحيتها.
أما عمرانها فصورة مكبرة من عمران الولايات لا نظام ولا شوارع منظمة ولا طرق معبَّدة ولا راحة للراكب والسائر ولا للمقيم والنازل وغاية ما فيها من مصانع وآثار قصور السلاطين والجوامع الكبيرة الزاهية التي أنشأوها منذ عهد محمد الفاتح إلى يومنا هذا وبعض ثكن ومدارس عالية حديثة لا شأن لها من حيث فن البناء.
والأستانة من حيث قوتها المادية ضعيفة ضئيلة نصف أهلها أتراك يبلغون نحو ستمائة ألف والنصف الآخر أروام وأرمن وأكراد وأرناؤد وعرب وغيرهم من العناصر العثمانية. ويغلب على الأتراك الاتكال لأنهم ما زالوا حتى بعد الحرية يعتقدون من أنفسهم الغناء والسؤدد أكثر من بقية العناصر ويتوهمون أنهم العنصر الحاكم ولذلك قلما ترى بينهم تاجراً معتبراً أو زارعاً كبيراً أو مالياً دراكة يعيشون كلهم إلا المرتزقة والباعة عالة على الأمة لا