للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الولايات العثمانية التركية أو قطراً من الأقطار العربية في غربي آسيا أو شمالي إفريقية ولما انتقلت من ستراسبورغ شعرت بتغير العادات واللهجات وأيقنت بأن الغريب الذي يزور بلداً لا يعرف لغة أهله كالأصم والأعمى وهذا ما عاقني في الأكثر عن زيارة إنكلترا وألمانيا خلال هذه الرحلة مع شغفي بحضارة هاتين الأمتين لأنني أستصعب أن أرى غيري بعيون غير عيني وآذان غير أذنيّ.

قضيت في فيينا يومين استرحت فيهما من وعثاء السفر واطلعت على بعض معاهدها إلا أن الثلوج التي بلغت نحو ذراع عاقتني عن إتمام الزيارة فركبت ثالث يوم بعد الظهر القطار قاصداً بلاد المجر فاجتزنا عاصمتها بودابست في الليل ووقف القطار فيها ساعة لم أتمكن في خلالها حتى ولا من رؤية المحطة وعدنا إلى قطارنا حتى تخطينا من الغد أرض الإمبراطورية إلى أرض البلقان ولم يكد القطار يجتاز نهر الطونة حتى تمثل أمام خيالي تاريخ هذه البلاد وبينما كنت أذكر وقائع العثمانيين في سلسترا والبروج المعروفة ببرج العرب وأذكر تلك الدماء العزيزة التي أهرقت على ضفاف الطونة لفتح هذه البلاد ركبت معنا من أول محطة في بلاد الصرب فتاتان صربيتان في الخامسة عشرة من عمرهما عليهما سيماء الحشمة والأدب فسألت الرفيقة رفيقتها أن تغني شيئاً فالتفتت إلينا وكان معنا رفيق بلغاري يعرف التركية فاستأذن في ذلك فقلت له لا بأس فاندفعت الفتاة تغني بنغمة على إيقاع غريب فاضت له نفسي بالدموع خصوصاً وقد جاءها الغناء وهي تفكر فيما أصابنا في هذه الديار من الشقاء. فعجب رفيقي البلغاري وقال لعلك فهمت هذا النشيد الوطني الصربي قلت لم أفهم وإنما تأثرت من النغمة ومن أمور أخرى فسألني إلا أن بحت له بذات نفسي ولما ذكرت له كيف تقدموا هم وتأخرنا من بلاد هواؤها عثماني وسيماؤها عثماني وأكثر عاداتها عثمانية عذرني على شعوري بما فيه من فضل أدب.

ووقف القطار ساعتين في بلغراد عاصمة الصرب فاغتنمت الوقت لزيارتها وهي نظيفة لطيفة صغيرة حرية بأن تكون قاعدة لتلك المملكة التي يقطعها القطار طولاً بأقل من عشر ساعات وزرت من الغد صوفيا عاصمة بلغاريا وهي أجمل وأضخم منظمة على مثال المدن الأوروبية ويغلب الأدب أهلها وكثير منهم يعرفون التركية وقد وقفنا عليها نحو ست ساعات تمكنت أثناءها من درس معالمها وحدائقها ومتنزهاتها وبعض قصورها وهي أقرب