للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال شيخنا شيخ الإسلام_زكريا الأنصاري_ما ذكر إمام الحرمين لا ينحصر الحال فيه بل يجوز أن يكون الآتي هو جبريل بشكله الأصلي إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل وإذ ترك ذلك عاد إلى هيئته ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشاً فإنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب والحق إن تمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيساً لمن يخاطبه والظاهر أيضاً أن القدر الزائل لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط والله أعلم اهـ كلام الحافظ كله مبني على حمل الإطلاق في موارده على الحقيقة فليتأمل وقال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله في رسالة التوحيد: أما وجود بعض الأرواح العالية_وهم الملائكة المكرمون_وظهورها لأهل تلك المرتبة السامية (الأنبياء عليهم السلام) فمما لا استحالة فيما بعد ما عرفناه من أنفسنا وأرشدنا إليه العلم قديمه وحديثه من اشتمال الوجود على ما هو ألطف من المادة وإن غيب عنا فأي مانع من أن يكون بعض هذا الوجود اللطيف مشرقاً لشيء من العلم الإلهي وأن يكون لنفوس الأنبياء أشراف عليه فإذا جاء به الخبر الصادق حملنا على الإذعان بصحته، أما تمثل الصوت وأشباح لتلك الأرواح في حس من اختصه الله بتلك المنزلة فقد عهد عند أعداء الأنبياء ما لا يبعد عنه في بعض المصابين بأمراض خاصة على زعمهم فقد سلموا أن بعض معقولاتهم يتمثل في خيالهم ويصل إلى درجة المحسوس فيصدق المريض في قوله أن يرى ويسمع بل ويجالد ويصارع ولا شيء من ذلك في الحقيقة بواقع فإن جاز التمثيل في الصورة المعقولة ولا منشأ لها إلا في النفس وغن ذلك يكون عند عروض عارض على المخ فلم لا يجوز تمثل الحقائق المعقولة في النفس العالية وأن يكون ذلك لها عندما تنزع عن عالم الحس، وتتصل بحظائر القدس، وتكون تلك الحال من لواحق صحة العقل في أهل تلك الدرجة لاختصاص مزاجهم بما لا يوجد في مزاج غيرهم؟ وغاية ما يلزم عنه أن يكون لعلاقة أرواحهم بأبدانهم شأن غير معروف في تلك العلاقة من سواهم وهو ما يسهل قبوله بل يتحتم لأن شأنهم في الناس أيضاً غير الشؤون المألوفة وهذه المغايرة من أهم ما امتازوا به وقام منها الدليل على رسالتهم، والدليل على صحة شهودهم وصحة ما يحدثون عنه أن أمراض القلوب تشفى بدوائهم وأن ضعف العزائم والعقول يتبدل بالقوة في أممهم التي تأخذ بمقالهم، ومن المنكر