(ثم قال) يشعر مكل من فكر في نفسه، ووازن بين خواطره عند ما يهم بأمر فيه وجه للحق أو للخير، ووجه للباطل أو للشر، بأن في نفسه تنازعاً كان الأمر قد عرض فيها على مجلس شورى فهذا يورد وذاك يدفع، وواحد يقول افعل وآخر يقول لا تفعل حتى ينتصر أحد الطرفين، ويترجح أحد الخاطرين، فهذا الشيء قد أودع في نفسنا ونسميه قوة وفكراً_وهو في الحقيقة معنى لا يدرك كنهه وروح لا تكتنه حقيقتها_لا يبعد أن يسميه الله تعالى ملكاً ويسمي أسبابه ملائكة أو ما شابه من السماء فإن التسمية لا حجر فيها على الناس فكيف يحجر فيها على صاحب الإرادة المطلقة والسلطان النافذ والعلم الواسع اهـ وسبق في كلام الغزالي نحوه وسيأتي في الخاتمة عن الراغب الأصفهاني ما يؤيده.
خاتمة
في فوائد متفرقات من شوارد هذه المسالة
(أ) للباحثين في تمثل الرواح آراء عديدة وأنظار متنوعة نذكر منها طرفاً قال في الخلاصة: اعتقاد قدماء اليهود بماهية الرواح المغيبة إنها إما هواء خالص أو لهيب نار (ثم قال) فعلى هذا فللملائكة أجسام هوائية لطيفة لا ترى ما لم تمثل كالهواء الذي نتنفسه فإنه جسم لكنه غير مبصر لنا (ثم قال) واقرب شاهد للتمثل هو الهواء فإنه وإن لم يقبل في حال تخلخله شكلاً ولا لوناً إلا أنه متى تكاثف أمكن تشكله وتلونه كما يتضح في السحاب وعلى هذا النمط يجوز أن تتكثف أجسام الملائكة بالقدرة الربانية على قدر ما يلزم لتموين الجسم المراد اتخاذه وبقدرون التجسد بعد أن يفعلوا أفاعيل حيوية اهـ.
وقدمنا عن القاضي أبي يعلي أنه قال: لا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور وإنما يجوز أن يعلمهم الله ضرباً من ضروب الأفعال إذا فعله نقله الله من صورة إلى صورة الخ: ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن إمام الحرمين أن تمثل جبريل معناه أن الله أفتى الزائد من خلاقه وأزاله عنه ثم يعيده إليه بعد. وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجباً لموته بل يجوز أن يبقى الجسد حياً لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلاً بل بعادة أجراها الله تعالى في بعض خلقه ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خضر تسرح في الجنة،