للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلاج: وأما جهلة الأطباء فينكرون صرع الأرواح ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط وهو صادق في بعض أقسامه لا في كلها، وقدماء الأطباء يسمون هذا الصرع المرض الإلهي وقالوا: إنه من الأرواح، أما جالينوس وغيره فتأولوا عليهم هذه التسمية وقالوا: إنما سموها بالمرض الإلهي لكون هذه العلة تحدث في الرأس فتضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ: وهذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهذه الأرواح وأحكامها وتأثيراتها وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء الأطباء وضعف عقولهم.

(ثم قال ابن القيم) هذا ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى مع هذه الرواح الخبيثة وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة فهناك يتحقق إن كان هو المصروع حقيقة.

وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل عليهم السلام.

الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

قال في تفسير قوله تعالى الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس الموسوسون قسمان قسم الجنة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم وإنما نجدهم في أنفسنا أثراً ينسب إليهم، ولكل واحد من الناس شيطان وهي قوة نازعة إلى الشر يحدث منها في نفسه خواطر السوء:

وقال في موضع آخر: إن إلهام الخير والوسوسة مما جاء في لسان صاحب الوحي صلى الله عليه وسلم وقد أسند إلى هذه العوالم الغيبية، وخواطر الخير التي تسمى إلهاماً وخواطر الشر التي تسمى وسوسة كل منهما محله الروح فالملائكة والشياطين إذن أرواح تتصل بأرواح الناس. فلا يصح أن نمثل الملائكة بالتماثيل الجسمانية المعروفة لنا لأن هذه لو اتصلت بأرواحنا فإنما تتصل بها من طرق أجسامنا ونحن لا نحس بشيءٍ يتصل بأبداننا لا عند الوسوسة ولا عند الشعور بداعي الخير من النفس فإذن هي من عالم غير عالم الأبدان