الخاصة والعامة (قال) ولم ينكر الجن إلا شرذمة قليلة من جهال الفلاسفة ونحوهم، (وقال) ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساوياً لما على الأنس في الحد والحقيقة لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلمه بين العلماء: (وقال في تفسير سورة الإخلاص) إن الفلاسفة كلامهم في الإلهيات والكليات العقلية قاصر جداً وفيه تخليط كثير وإنما يتكلمون جيداً في الأمور الحسية الطبيعية وفي كلياتها فكلامهم فيها في الغالب جيد، وأما الغيب الذي تخبر به الأنبياء والكليات العقلية التي تعم الموجودات كلها وتقسم الموجودات قسمة صحيحة فلا يعرفونها البتة فإن هذا لا يكون إلا ممن أحاط بأنواع الموجودات وهم لا يعرفون إلا قليلاً من الموجودات وما لا يشهده الآدميون من الموجودات أعظم قدراً وصفة مما يشهدونه بكثير، ولهذا كان هؤلاء الذين عرفوا ما عرفته الفلاسفة إذا سمعوا أخبار الأنبياء بالملائكة والعرش والكرسي والجنة والنار وهم يظنون أن لا موجود إلا ما علموه هم والفلاسفة يصيرون حائرين متأولين لكلام الأنبياء على ما عرفوه وإن كان هذا لا دليل عليه وليس لهم بهذا النفي علم فإن عدم العلم ليس علماً بالعدم لكن نفيهم هذا كنفي الطبيب للجن لأنه ليس في صناعة الطب ما يدل على ثبوت الجن وإلا فليس في علم الطب ما ينفي وجود الجن وهكذا تجد من عرف نوعاً من العلم وامتاز به على العامة الذي لا يعرفونه فيبقى بجهله نافياً لما لا يعلمه، وبنو آدم ضلالهم فيما حددوه ونفوه بغير علم أكثر من ضلالهم فيما أثبتوه وصدقوا به قال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه لما يأتيهم تأويله اهـ.
وقد أسهب رحمه الله في كتابه الفرقان_المطبوع_فيما يتعلق بالجن الشياطين فليراجع.
ابن القيم
قال رحمه الله في زاد المعاد في علاج الصرع ما مثله: الصرع صرعان صرع من الرواح الخبيثة الأرضية_وصرع من الأخلاط الردية. والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون بأن علاجه بمقابلة الرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه فذكر بعض علاج الصرع وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا