قال الجاحظ في رسالته مدح التجار وذم عمل السلطان: وهذا الكلام لا ينجم من حشوة أباع السلطان فأما عليتهم ومصاصهم وذو البصائر والتمييز منهم ومن فيقة الفطنة وأرهقه التأديب وأرهبه طول التفكر وجرى فيه الحياء وأحكمته التجارب فعرف العواقب وأحكم التفضيل وينطق (؟) غوامض التحصيل فإنهم يعترفون بفضيلة التجار ويتمنون حالهم ويحكمون لهم بسلامة الدين وطيب الطعمة ويعلمون أنهم أورع الناس أبداً وأهنأهم عيشاً وآمنهم سرباً لأنهم في أفنيتهم كالملوك على أسرتهم يرغب إليهم أهل الحاجات وينزع إليهم متلمسو البياعات لا تلحقهم الذلة في مكاسبهم ولا تستعبدهم الضرع لمعاملاتهم وليس هكذا من لابس السلطان بنفسه وقاربه بخدمته فإن أولئك لباسهم الذلة وشعارهم الملق وقلوبهم ممن هم لهم خول مملوءة قد لبسها الرعب وألفها الذل وصحبها ترقب الاحتياج فهم مع هذا في تكدير وتنغيص خوفاً من سطوة الرئيس وتنكيل الصاحب وتغيير الدول واعتراض حلول المحن فإن هي حلت بهم وكثيراً ما تحل فناهيك بهم محرومين يرق لهم الأعداء فضلاً عن الأولياء فكيف لا يميز بين من هذا ثمرة اختياره وغاية تحصيله وبين ما قد نال الوفاء عنه والدعة وسلم من البوائق مع كثيرة الإثراء وقضاء اللذات من غير منة لأحد ولا منة يعتد بها وكم بين من هو نعم المفضلين خلي وبين من قد استرقه المعروف واستعبده الطمع ولزمه ثقل الصنيعة وطوق عنقه الامتنان واسترهن بتحمل الشكر الخ.