وتقول له إن شاء الله أراك باشا ينبغي لها أن تربيه مع أبيه على أن يكون بعد اليوم ممتازاً في حرفة من الحرف أو صناعة من الصناعات فقد جربت الأمة ورأت من إفلاسها ما لا ينكره عاقل لأنه لم يتعلم منها أحد إلا ليكون من المستخدمين. كأن خيرات الأرض والسماء لا تغدق إلا على من ينصب نفسه وجسمه للجري على إرادة غيره لينال بزعمه رزقاً هنياً ليناً.
إنا والله مع احترامنا لكل موظف أمين يخدم الأمة بصدق ويقبض راتبه بعرق جبينه لنفضل عليه من يتجر السماد لتعمر به الأرض ومن يخرج الحجارة من المقالع ويعتمد على خالقه وعمله في معاشه على فرد ينسى كل شيءٍ ويتجرد عن كل شيءٍ ليقال عنه أنه موظف.
نزل مصر بعض المتعلمين من السوريين منذ عهد الخديوي إسمعيل وقبله وأخذوا بما فيهم من النشاط والقوة والمعرفة يتولون الوظائف وينافسون فيها المصريين في بلدهم فبقيت أرزاقهم محدودة ولم يخرجوا عن كونهم مستخدمين يصرفون في آخر شهرهم كل ما قبضوه في أوله. ولما صعبت الحكومة المصرية وصول غير المصري إلى تولي الوظائف بالقانون الذي سنته على عهد الوزارة الرياضية حول السوريون وجلهم مسيحيون وجهتهم إلى التجارة والزراعة فمإذا كان من إثر ذلك عليهم؟
كان منه أن أصبحوا يتكلمون على عملهم وكدهم ويبتاعون الأطيان البائرة في القطر المصري فيعمرونها بنشاط ومعرفة ويتجرون بمصنوعات البلاد ومصنوعات أوربا ويتوفرون على تنمية أموالهم بطرق اقتصادية حتى لم يمض عقد أو عقدان من السنين إلا وقد أصبح أبناء سورية النازلون في مصر أغنياء بعد الحاجة موسعاً عليهم غب الضيق يملكون القصور الباذخة ويتمتعون بالعيش الخضال حتى قدر أحد العارفين ثروة السوريين في مصر بخمسين مليون جنيه أي بعشر مجموع ثروة مصر. ولو ظلوا راضين كلهم بالدون من المعاش لما جمعوا واحداً في المئة من هذه الثروة الطائلة ولا يكون ما يجمعونه إلا من التقتير والشح وكذلك فعل المسيحيون في البلاد العثمانية لما قطعوا آمالهم من الحكومة فباتت أعمال المعاش المهمة كما تقدم بأيديهم ودرت عليهم أخلاف السعادة ولو قلدهم سائر العثمانيين في هذه الخطة الشريفة لخلصنا من الإشكال الذي لم تبلغه أمة من