مستعمرات الألمان في فلسطين والفرنسويين في البقاع ومستعمرات الطليان والرو والأرمن في مصر وإذا رأيت مسلماً أخصبت تربته على سبيل الاتفاق فابحث عن السبب تراه اهتدى إلى استخدام أناس ممن تربوا على غير طريقته وعرفوا في الأمور الدنيوية من أين تؤكل الكتف.
وابحث عن صناعات البلاد هل تراها كل يوم إلا ترجع القهقرى لأن أربابها جمدوا على ما تعلموه من آبائهم ولم تحدثهم أنفسهم في تقليد الراقين من صناع الأيدي ولأنك لا تجد في الألف منهم واحداً يعرف ما يقتضي لنجاحه من الأسباب وأي الطرق سلكها الغربيون حتى بزوا بمصنوعاتهم مصنوعاتنا ويوشكوا أن يقضوا عليها قضاءً أبدياً.
كل هذا نتيجة الكسل والاعتماد على الحكومة في الرزق والبلاد لا ترتقي إلا بالمسلمين في المملكة العثمانية لأنهم الجمهور الأعظم من السكان ومنهم جلُّ رجال القضاء والإدارة وأرباب الأملاك والأراضي ولا سبيل إلى ارتقائها إلا إذا ارتقوا هم أنفسهم إن لم يكن أكثر من مواطنيهم فلا أقل من أن يكونوا على مستواهم. ونظن هذا التصريح جارحاً ولكن هي الحقيقة لا تدليس فيها ولا دهان.
إن كل ما كان الموظفون يجمعونه من دماء الأمة لم يثمر لهم الثمرة الجنية لأنه مال حرام أتاهم من غير طرقه المشروعة من كد واقتصاد فلم نر ثروة تسلسلت في أعقاب الموظفين إلى جيلين إلا نادراً وكثيراً ما كان يفتقر الموظفون في حياتهم لولا رواتب التقاعد رأيت أعظم الموظفين في السنة التي يضطرون فيها إلى ترك وظائفهم الفارغة أيديهم من مال يعتاشون به ولو كانت مشاهراتهم تعد بعشرات الليرات.
هذا من حيث المال أما عن سلب حرية الموظفين فحدث ما شئت أن تحدث ولولا أن العادة تسهل الأشياء لقضي على أكثر الموظفين في سن الكهولة لكثرة ما يلقون من عنت رؤسائهم وتضييق وجداناتهم وكم من ذكاء ذهب سدى لأن صاحبه لم يستعمله بل حصره في دائرة ضيقة من عمل أصبح له شيئاً معروفاً في بضعة أشهر وقضى عمره وهو يبيض ويسود أو يحاسب في موضوع لا يكاد يتعداه.
إن التوظف عمل من أعمال الناس لا يصح أن يترك وإلا فمن يدير شؤون البلاد ولكن لا يجب التهالك عليه كما نراه يتزايد اليوم بعد اليوم فالأم التي كانت تفرح ابنها فيما غبر