للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالحكومة كان وضيعاً مهما رفعه مقامه وشرف آبائه وأجداده وجده ومضاؤه وحنكته ودربته ومعرفته وثروته.

هذا الخلق من طبيعة الحكم الاستبدادي وكم رأينا بيوتاً خربت لأن أربابها عز عليهم ألا يجاوروا بيوتاً أخرى كانت منافسة لهم في التسابق إلى دواوين الحكومة فغفلوا عن تجارتهم وزراعتهم المعقولة المشروعة وتعلقوا بالتافهات من خدمة أرباب الحكم فما استفادوا بقديمهم ولا أحسنوا يلقف حديثهم. وأكثر ما يكون هذا الخلق ظهوراً الآن في سكان العواصم مثل الآستانة والقاهرة ودمشق وحلب فترى كثيرين من أهلها كالحلمة الطفيلية ينتظرون نقل أحدهم أو استقالته أو موته حتى يخلفوه في مكانه.

إن أقوال المستر روزفلت حرية بأن يجعلها أهل هذه البلاد رائداً بين أيدي أعمالهم ومهمازاً لهم في أقولهم وأفعالهم. إن انصراف وجوه الناس كلهم نحو التوظف قد عطل في بلادنا القوى المعنوية والمادية وغادر القوم كإعجاز نخل خاوية تركوا موارد الثروة الحقيقية وراحوا زرافات يطرقون أبواب الحكومة وما هي بمغنية رعاياها كلهم وهم هم مادة حياتها وبغناها تغنى وبشقائهم تشقى.

لا يتعلم المتعلم منا من أهل الطبقة العالية والمتوسطة والدنيا إلا ليكون ضابطاً أو قائمقاماً أو موظفاً في الأقلام أو من رجال القضاء وقليل جداً من يريدون أن يتعلموا ليستعدوا لإنجاح تجارتهم وزراعتهم وصناعتهم ولاسيما من أهل الإسلام الذين حصروا آمالهم في الحكومة في كل دور من أدوارهم ولذلك قلما رأينا ابن تاجر منا علمه أبوه على الأسلوب الجديد حتى يكون كتجار الإفرنج بتعليمه وتجاربه ويعود عليه القرش قرشين بدل أن يعود قرشه ببارة.

طف مخازن القاهرة والآستانة وأزمير وسلانيك والإسكندرية وبيروت واسأل عن تراجم أربابها وأجناسها فهل ترى فيهم إلا إفرنجاً وغير مسلمين من أهل البلاد.

وإذا وقع لك أن صادفت تاجراً مسلماً فيكون في الأكثر غريباً عن تلك المدينة أو أنه أحوج إلى التعلم في عمله من أصغر تاجر من أولئك التجار أرباب الأموال الطائلة والمعارف الواسعة.

تجول في القرى وافحص المزارع هل تجد لمسلم وطني مزرعة نجحت بسعيه كما نجحت