وصرف نفوذه وقوة دولته العظيمة في استمالة الرأي العام في أوربا لجهتنا وتسكين القلاقل في الروم إيلي وحال دون أمنية الأعداء الذين حاولوا إلحاق جزيرة كريت بحكومة اليونان وقد أثر عنه كلام كثير ومواقف متعددة نشط فيه حركتنا الدستورية وتمنى لنا الخير والإقبال وتوسم فينا التقدم والفلاح وكان أول من قر بين الملوك على خلع عبد الحميد بما هنأ عليه السلطان محمد رشاد من عبادات الود والإخلاص وقد اشتدت عزائم أحرارنا بمظاهراته لهم وتصريحه بالسرور والاستبشار بما قاموا به من النجدة والحمية.
هذه أهم الأعمال السياسية التي قام بها الملك إدوارد السابع مدة ملكه القصيرة وجميعها عائدة على أمته بالخير والنجاح وعلى العالم بالفضل والصلاح حتى لقبه الأوربيون بصانع السلام واعترفوا أنه رئيس السلم والداعي إلى الوئام والوفاق وحامي الحرية والعدل ينضوي تحت رايته نحو مائة مليون من المسلمين في الهند وجزائها وأفريقية والسودان والصومال وغيرها وقد كان يحب هؤلاء المسلمين من رعاياه ويعدهم أخلص الشعوب لعرشه وأعلقهم به حباً وقد اسفوا على موته وحفظوا له ذكراً حميداً.
لا يجادل أحد في أن الملك إدوارد كان أرحب الملوك صدراً وأوسعهم فضلاً ومن أكثرهم علماً وأعرضهم جاهاً وأسلمهم قلباً وأصفاهم وداً. وقد اشتد حزن شعبه عليه ولم يجد سبيلاً للعزاء سوى ما يؤملونه من أن ابنه وولي عهده ينسج على منواله ويحذوا حذوه في السياسة بهذه الأيام التي يشكو فيها الإنكليز من قحط الرجال في عواصمهم.
ولد ابنه الملك جورج في ٣ حزيران سنة ١٨٦٥ فهو اليوم في الخامسة والأربعين من عمره وتبوأ التخت الإنكليزي منذ أسبوع وليس له من الشهرة وسعة الاطلاع ما كان لوالده قبل بلوغ الملك فهو أقرب للعلم منه إلى العروش وأشد ولعاً بالمطالعة والدرس منه بالتمرسات السياسية وقد صرف معظم حياته الماضية بين الكتب وفي الأندية العلمية وملاحظة المعاهد الخيرية. على أن القوم لا يتوقعون منه أعمالاً عظيمةً ويحسبون أن عقله الكبير الذي أجاد في مجال العلم والتفكير لا يقصر في ميدان السياسة والتدبير.