تتسامح مع الأنانية الوطنية إلا بقدر ما لا يضر هذا التسامح بالرغبات الخاصة المحترمة عند الشعوب الأخرى. نعم كل يجر النار إلى قرصه وكل امرئ في شأنه ساع ولكن يقتضي على القوي القادر أن لا يروح مدفوعاً بعوامل حب منفعته قائلاً للضعاف أو المستضعفين جهاراً أو رئاءً: إني أعمل لمصلحتي لا لمصلحتكم ولكنكم اعملوا لي كما لو كنت أنا اعمل لكم.
بيد أن هذه الجمهورية الكبرى في أميركا الشمالية لم تسلك مسلكاً آخر أمام جمهوريات الجنوب الصغرى فإن الأولى عالمة علم يقين بأن ليس بينها وبين جاراتها من تكافل المصالح إلا ما يفيد الولايات المتحدة في مادياتها أي أن طريقة حماية التجارة تؤدي إلى الإفلاس والشقاء في البرازيل والأرجنتين فإن هاتين المملكتين خصيبتان ولكنهما ضعيفتان من حيث الارتقاء الصناعي ولذلك اضطرتا بحكم الحاجة إلى أن تفتحا أسواقهما للواردات الشمالية بدلاً من أن تغلقاها. وهاتان المملكتان مضطرتان إلى تحسين صلاتهما مع الكافة لأن معنى اعتزالهما تحت برقع النهضة الأميركية وابتعادهما عن الأوربيين حباً بأن تكونا من حروف الزوائد مع سكان الشمال أنهما كسلانتان جاهلتان محافظتان على القديم مضادتان للأهواء المعادية للتمدن راغبتان في الفناء الطبيعي الذي يلحق الأجناس ويدب فيها سوس الفساد الأدبي.
هذا ولم تتمالك إحدى المجلات الأميركية الشهيرة من التصريح بأن الولايات المتحدة تلجأ إلى القوة إذا جرى في الجنوب ما يخالف هواها. ولذا لم يستغرب أحجام إنكلترا سنة ١٨٩٥ في مسألة فنزويلا وكيف طرد الإسبانيول من جزيرة كوبا سنة ١٨٩٨ وكيف فتحت بورتوريكو وكيف كادت تباع جزائر الأرخبيل الدنمركية وكيف يطوف الأسطول الأميركي أبداً محافظاً أو قاهراً البحر المتوسط الأميركي حيث تمتد أصقاع سان دومينيك أو فنزويلا أو باناما وكيف يتبجحون عند أقل فرصة ولو في حدوث مسألة خاصة إن مبدأ مونرو يأمرهم بأن يحموا جمهوريات برازيل أو الأرجنتين أو بيرو أو شيلي أي أن يقوموا بشؤون تلك البلاد قيام الوصي والمعلم.
وإذ كانت النهضة الأميركية الاقتصادية مرتبطة بالنهضة السياسية ولا تتحقق النهضة الاقتصادية لما هناك من اختلاف المصالح التجارية بين سكان الشمال والجنوب وبعبارة