ثانية بين أميركا البروتستانتية السكسونية وأميركا اللاتينية الإسبانيولية - رأت الجمهوريات الصغرى أن تحتفظ بحقوقها فقاومت ما تدعو إليه الولايات المتحدة من النهضة الاقتصادية خشية أن يلحق سلامتها نقصان. فعقدت مؤتمرات حضرها مندوبو الحكومات الأوربية ومن جملة ما عقد من المعاهدات معاهدة بين أميركا الشمالية والمكسيك سنة ١٨٨٣ تدخل بموجبها سلع الشمال إلى بلاد المكسيك حرة بلا جمرك كما أن الشمال يقبل حاصلات المكسيك الطبيعية كذلك. ومع هذا لم يظفر سكان الشمال بطلبتهم فقد باع سكان الولايات المتحدة سنة ١٨٩٤ لسكان الجنوب بضائع بمبلغ ١٣٥ مليون دولار وابتاعوا منهم غلات بمائتين وستة وأربعين مليوناً.
قال الكاتب وكل ما قامت به أميركا الشمالية من الأعمال من حرب وضم أرض وفتح بلاد من أرض الجنوب إن هو إلا للتفادي من أن ينال مذهب مونرو بعض ضعف وما هذه الأعمال إلا دالة أصرح دلالة على ما تحوي ضلوعها من فكر الاعتداء والفتح المنطوي تحت اسم نهضة أميركا.
لا يعدم الحق أنصاراً وإن من الاتحاد قوة. فقد قام بوليفار من رجال السياسة وأبطال الحرية الملقب بواشنطون أميركا الجنوبية فحرر كولومبيا وفنزويلا وبيرو وخط الاستواء وبوليفيا ثم أراد أن يجمع هذه الأمم الحرة كلها في ظل العلم الدستوري ويجعلها مملكة قائمة برأسها ففشل في دعوته ثم عاد فدعاهم باسم المحافظة على مبدأ مونرو فأجابت بعض البلاد الجنوبية دعوته. وتلكأت الولايات المتحدة كثيراً كأنها قالت بلسان الحال أن هذا المبدأ سن لحماية مصالح الشمال لا لمصالح الجنوب وأشارت إلى مندوبيها بأن لا يصغيا إلى ما يقرر إلا بأذن صماء فعرفت جمهوريات الجنوب الصغرى أن جمهورية الشمال الكبرى ليست أختهنَّ. ذلك لأن بوليفار لم يتصف كواشنطون بإرادة ثابتة منظمة بل كان من شدة الحمية بحيث يستهين بروحه ويريق دمه حباً بمصلحة العالم ويرى الأمم كلها أخوة والناس أحراراً سواءً ولذلك لم يحسن إدارة ما افتتحه من البلاد وغنمه من الطارف والتلاد.
وظلت الولايات المتحدة سائرة تلتهم كل ما تصادفه في طريقها من المغانم والفرائس ومنها ضم جمهورية التكساس إليها وهي ضعفا مساحة فرنسا. ضمٌّ لم يخل من المخاطر إذ أن الولايات المتحدة تحظر الرقيق ولا تقول هذه الجمهورية بمنعه. وبعد جدال طويل الأذيال