هذا المكان المبارك إنشاء الطوشي الأجل الصارم الدين جوهر بن عبد الله الحر عتيق الست الكبيرة الجليلة عصمة الدين عذرى ابنة شاهنشاه رحمها الله تعالى الخ.
أرأيتم أيها السادة بمإذا قامت هذه المدارس وبمن وكيف أن الأفراد من أسلافكم كانوا يعملون ما لا يعمله الجماعات منكم اليوم.
إن الأفراد هم الذين ينهضون بالأمم وأن المدنية الإسلامية التي تلوت عليكم حلقة من سلسلتها العظيمة كان للأفراد شأن عظيم في وضع دعامتها وتشييد بنيانها.
تعلمون أيها السادة ما كان لترجمة كتب أهل التمدن القديم كاليونان والفرس إلى العربية من الأثر الكبير في تأسيس المدنية الإسلامية في بغداد على عهد الخلفاء العباسيين وقد يتوهم بعضهم أن الذي عني بترجمة هذه الكتب إنما هم الخلفاء وحدهم وأخصهم أمير المؤمنين المأمون والحال أن لكثير من الأفراد ورجال الفضل والنبل من الأمة يداً لا تنكر في هذا السبيل.
وهذا يدلكم على أن عمل الأشخاص منفردين لا يقل تأثيراً في الهيئة الاجتماعية عن عملهم مجتمعين.
ولذا فلا أبالغ إذا قلت أن نوابغ الأمة الذين خدموا بذكائهم وعملهم المدنية وشيدوا أركانها الرفيعة إنما قاموا بهذه الخدمة وقامت تلك المدنية بفضل أهل السخاء والجود من محبي العلم والترقي وأنصار النجاح الذين كانوا ينفقون من مالهم على المترجمين للكتب العلمية إلى اللغة العربية.
ومن هؤلاء الأفاضل الأجواد الذين رصدوا جزءاً كبيراً من أموالهم على المترجمين لكتب العلم في تلك العصور: علي بن عيسى العباسي: ومحمد بن موسى بن شاكر الرياضي الشهير: وعلي بن يحيى الكاتب: وابن المدير الكاتب: وثاوري الأسقف: ومحمد بن عبد الملك الزيات الوزير: وبختيشوع الطبيب: ويوحنا بن ماسويه الطبيب: والعدد الكثير من أمثالهم المولعين بالترقي والعلم والذين كان ينفق كل واحد منهم أموالاً طائلة على نقله العلوم إلى اللغة العربية حتى لقد نقل ابن أبي أصيبعة عن محمد بن عبد الملك الزيات أنه كان ينفق في الشهر الواحد على المترجمين ألف دينار. قال هذا فضلاً عما كان ينفقه