إنا والله نتمنى أن تجمع هذه الألف دينار في كل شهر من كل غني من أغنيائنا اليوم لتنفق في سبيل نشر العلم وتربية الناشئة من أبناء الأوطان ولو فعلوا ذلك اليوم لعوضها أبناؤهم أضعافاً مضاعفة في الغد. بل لو فعل ذلك أهل كل ولاية عثمانية لأصبحت المملكة العثمانية بعد عشر سنين جنة قطوفها العلم وسياجها القوة والحياة. ولنعد إلى ما كنا بصدده فنقول:
بمثل هذا البذل على نقل كتب العلم ونشرها بين الكافة والاستفادة منها ظهر أركان النهضة في الشرق الذين ارتفع بهم شأن التمدن الإسلامي وذلك مثل بني موسى بن شاكر المهندسين الرياضيين في عصرهم وبختيشوع وبني سهل وبني ماسويه وبني حنين وبني ثابت بن قرة وبني زهرون وأبي عثمان الدمشقي وابن كرنيب ويحيى بن عدي المنطقي وأبي الفرج الطبيب وأبي الريحان البيروني والشيخ الرئيس ابن سينا وأبي النصر الفارابي والفخر الرازي وابن الشاطر وأضرابهم من العلماء الذين ظهروا في الشرق في عصور متفاوتة إبان الحضارة الإسلامية.
ومثل بني زهر ويحيى بن السمينة وأبي القاسم المرحيطي إمام الرياضيين والفلكيين في عصره وابن السمح الغرناطي المهندس وسعيد بن عبد ربه وأبي جعفر الترحالي وأبي الوليد ابن رشد وابنيه محمد وأضرابهم ممن ظهروا كذلك في الغرب.
ومثل ابن الهيثم البصري صاحب التآليف الغزيرة في الرياضيات والفلك والمبشر ابن فاتك وعلي بن رضوان وتلميذه أفرائيم بن الزفان والشيخ السديد رئيس الأطباء وشمس الرياسة بن جميع الإسرائيلي ورشيد الدين أبي حليقة وأمثالهم ممن ظهروا في مصر.
كل هؤلاء من علماء الفلسفة والرياضيات والحكمة الطبيعية وغيرها من العلوم ونسبتهم كنسبة واحد في المائة ممن ظهروا في عصرهم وبعده في الشام وبغداد ومصر وفارس والمغرب والروم أي آسيا الصغر وغيرها من الأمصار ونهضوا بالأمة وأعلو ذكر المدنية الإسلامية في الشرف والغرب وإنما وضع لهم الأساس أفراد من الأمة قدروا قدر العلم فشيدوا معاهده وترجموا كتبه وأكرموا أهله فتكون من عمل أولئك وهؤلاء وتعاونهم جيلاً بعد جيل بناء تلك المدنية العظيمة التي فقدناها بعد ولم نستطع اللحاق بأبناء التمدن الحديث