وقد جرت العادة بأن يسمى العلم بالقسم الأول (علماً طبيعياً) وبالقسم الثاني (رياضياً) وبالقسم الثالث (آلهياً) وبالقسم الرابع (كلياً) وإن لم يكن هذا التفصيل متعارفاً فهذا هو العلم النظري.
وأما (العلم العملي) فمنه ما يعلم كيفية ما يجب أن يكون عليه الإنسان في نفسه وأحواله التي تخصه حتى يكون سعيداً في دنياه هذه وفي آخرته وقوم يخصونه هذا باسم علم الأخلاق.
ومنه ما يعلم كيف يجب أن يجري عليه أمر المشاركات الإنسانية لغيره حتى يكون على نظام فاضل_أما في المشاركة الجزئية وأما في المشاركة الكلية والمشاركة الجزئية هي التي يكون في منزل واحد والمشاركة الكلية هي التي تكون في المدينة.
وكل مشاركة فإنما تتم بقانون مشروع وبمثول لذلك القانون المشروع يراعيه ويعمل عليه ويحفظه ولا يجوز أن يكون المتولي لحفظ المقنن في الأمر جميعاً إنسانا واحد فإنه لا يجوز أن يتولى تدبير المنزل من يتولى المدينة بل يكون للمدينة مدبر ولكل منزل مدبر آخر. ولذلك يحسن أن يفرد (تدبير المنزل) بحسب المتولي باباً مفرداً و (تدبير المدينة) بحسب المتولي باباً مفرداً ولا يحسن أن يفرد التقنين للمنزل والتقنين للمدينة كل على حدة بل الأحسن أن يكون المقنن لما يجب أن يراعى في خاصة كل شخص وفي المشاركة الصغرى وفي المشاركة الكبرى شخص واحد بضاعته واحدة وهو (النبي).
وأما المتولي للتدبير وكيف يجب أن يتولى فالأحسن ألا ندخل بعضه في بعض وإن جعلت كل تقنين أيضاً باباً آخر فعلت ولا بأس بذلك لكنك تجد الأحسن أن يفرد العلم بالأخلاق والعلم بتدبير المدينة كل على حدة وأن تجعل الصناعة الشارعة ما ينبغي أن تكون عليه أمراً مفرداً.
وليس قولنا وما ينبغي أن تكون عليه مشيراً إلى أنها صناعة ملفقة مخترعة ليست من عند الله ولكل إنسان ذي عقل أن يتولاها كلا بل هي من عند الله وليس لكل إنسان ذي عقل أن يتولاها ولا حرج علينا إذا نظرنا في أشياء كثيرة مما يكون من عند الله أنها كيف ينبغي أن تكون.