للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما القسم الآخر_فهو ينقسم أيضاً أول ما ينقسم قسمين: لأنه إما أن تكون الغاية في العلم تزكية النفس مما يحصل لها من صورة المعلوم فقط وإما أن تكون الغاية ليس ذاك فقط بل وأن يعمل الشيء الذي انتقشت صورته في النفس.

فيكون الأول تتعاطى به الموجودات لا من حيث هي أفعالنا وأحوالنا لنعرف أصوب وجوه وقوعها منا وصدروها عنا ووجودها فينا والثاني يلتفت فيه لفت موجودات هي أفعالنا وأحوالنا لنعرف أصوب وجوه وقوعها منا وصدورها عنا ووجودها فينا.

والمشهود من أهل الزمان أنهم يسمون الأول (علماً نظرياً) لأن غايته القصوى نظر ويسمون الثاني منهما (عملياً) لأن غايته العمل.

وأقسام (العلم النظري) أربعة: وذلك لأن الأمور إما مخالطة للمادة المعينة حداً وقواماً فلا يصلح وجودها في الطبع في كل مادة ولا يعقل إلا في مادة معينة مثل الإنسانية والعظمية وإن كانت بحيث لا يمتنع الذهن في أول نظره عن أن يحلها كل مادة_فيكون على سبيل من غلط الذهن بل يحتاج الذهن ضرورة في الصواب أن ينصرف عن هذا التجويز ويعلم أن ذلك المعنى لا يحل مادة إلا إذا حصل معنى زائد يهيئها له وهذا كالسواد والبياض فهذا من قبيل الموجودات والأمور.

وإما أمور مخالطة أيضاً كذلك والذهن وإن كان يحوج في صحة تصور كثير منها إلى إلصاقه بما هو مادة أو جار مجرى المادة_فليس يمتنع عنده وعند الوجود أن لا يتعين له مادة وكل مادة تصلح لأن تخالطه ما لم يمتنع مانع وليس يحتاج في الصلوح له إلى ممهد يخصصه به مثل الثلاثية والثنائية من حيث هي مثكونة وتعرض الجمع والتفريق ومثل التدوير والتربيع وجميع ما لا يفتقر وجوده ولا تسوره إلى تغير مادة له وهذا قبيل ثان من الأمور والموجودات.

وأما أمور مباينة للمادة والحركة أصلاً فلا تصلح لأن تخلط بالمادة ولا في التصور العقلي الحق مثل الخالق الأول. الأول تعالى ومثل ضروب من الملائكة وهذا قبيل ثالث من الموجودات.

وأما أمور ومعانٍ قد تخلط المادة وقد لا تخالطها فتكون في جملة ما يخالط وفي جملة ما لا يخالط مثل الوحدة والكثرة والكلي والجزئي والعلة والمعلول.