للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالوا: يرى روسو أن الدور العالية التي شيدتها الحكومات للتعليم هي التي تغرس مبادئ الجهالة في النفوس وتبعد الإنسان عن عقله وفطرته والمنفلوطي يقول: وأي حاجة إلى المدارس في مثل هذا المجتمع وليس بأبر بآبائنا منا فنحن الذين نتولى تعليمهم وتهذيب نفوسهم وتمرينهم على العمل النافع فلا مدارس عندنا غير المصانع والمزارع نعلمهم كيف يرمون البذور وكيف يستنبتونها وكيف يصنعون الآلات الزراعية وكيف يستعملونها الخ. . . .

وبالجملة فمن رأي الشيخ المنفلوطي أن لا يكون في هذا المجتمع سيد ولا مسود ولا غني ولا فقير ولا حاكم ولا محكوم فالشطر الأكبر الذي يقتفي أثرها هي فلسفة خيالية لا تأثير لها في أبناء القرن العشرين إلا بقدر ما للأساطير من التأثير في العلوم الرياضية. وهي إن جاز أن يكون لها أنصار قبل مائتي سنة أو يزيد فلن تجد لها فيما أحسب من هذا الجيل الجديد الناشئ على أفكار داروين وهيكل وهكسلي وسبنسر ورانكي ومومسن وبالزاك وزولا نصيراً وظهيراً لأنها مخالفة لسنن الطبيعة والحياة العملية.

وقد ذهب مذهب (إسكندر دوما فيس) ولفيف من مفكري المتأدبين الغربيين في مقالته غرفة الأحزان في المرأة المجرمة من حيث يمهدون لها الأعذار ويرون الرجل أجدر باللائمة منها لأنها ضعيفة مفرطة الشعور ولأنه هو الذي هم بها فراودها عن نفسها واراد أن ينزل بها السوء فخدعها إذ عاهدها أن تكون له زوجة ويكون لها بعلاً فسلبها قلبها وشرفها وعفتها وغادرها حين علم أن في أحشائها جنينها يضطرب بين جنينها ناراً تضطرم وكان سبب شقاءها حتى أصبحت حزينة ذليلة تفضل الموت على عيش لا تستطيع معه أن تكون زوجة لرجل أو أماً لولد وأخذ لمجتمع البشري يتهكم بها ويعبث مما زادها حزناً واكتئاباً.

وقد مثل لنا هذا البغي وقد تركت وراءها ما تراه من النعمة الواسعة والعيش الرغد في ذلك القصر الذي كانت متمتعة فيه بعشرة أمها وأبيها إلى منزل حقير في حي مهجور لا يعرفه أحد ولا يطرقه طارق لتقضي فيه البقية الباقية من حياتها.

ولم يكتف ببيان هذه الجناية وحدها بل جعل أن أمها وأبيها قضيا حزناً لفقدها ويأساً من لقاها وختم الحادثة بأن أضاف على الجنايات جناية أخرى وهي هلاك المرأة المجرمة بعد أن أودع نفسها من العواطف الشريفة ما شعرت معه بمصيبة ساورتها الهموم وبلغت منها