المرأة صالحة لهذا المجتمع فتدير شؤون منزلها أو تضرب في الأرض لترتزق إن عضها ناب الفقر وفجعت بموت من يعولها ويكفلها وهو لم يدعها إلى ذلك_كما يعلم المنفلوطي_إلا خشية أن يمزق الحجاب وهي من الجهل المريع بمكان.
وما ذنب قاسم بك أمين أن بين رأيه ولم يأبه لكيد الكائدين من تجار الأدب والدين والمرأة أخذت بالأسهل من رأييه والألصق بنفسها من نصيحته فتبرجت ورفعت برقعها قبل أن تنسج لها برقعاً من الأدب والحياة.
ومما لا مشاحة فيه أن رجل المرأة قاسم أمين قام بدعوته أحسن قيام فوصف الدواء بعد أن شخص الداء ولو كان في البلاد الأوربية لأقيمت له النصب والدمى_وإن كان صاحب النظرات لا يقول بالتماثيل_احتفاءً به واعترافاً ببيض أياديه وسابقة فضله عليهم أو لو كان المنفلوطي يقدر عمل العامل وفضل الفاضل لما جرأ على أن يقول فيه: ما رأيت باطلاً أشبه بالحق من باطله.
٣ ـ
آراؤه
ذهب الأستاذ المنفلوطي في طائفة من أفكاره مذاهب فريق من فلاسفة القرن السابع عشر والثامن عشر من أوربا حتى قابله بعضهم بروسو من حيث نظره إلى المجتمع الإنساني ومما قالوه: إن ما كتبه روسو في فن التربية والتعليم قائلاً: أيها الرجال، لا ترهقوا النشء الصغار على أن يفكروا كما تفكرون ويعتقدوا ما تعتقدون ولا تحاولوا إفساد ملكاتهم بهذه الفضيلة الموهومة والحرية المطلية التي هي في مذهب العقل غاية العبودية ومنتهى الاسترقاق الخ. . ._إن ما قاله روسو تعرض له المنفلوطي في فصل له عنوانه مدينة السعادة وأغرب ما لفت نظري أني لم أر في تلك المدينة ذات التمايز الذي أعرفه من مدائننا بين الناس في منازلهم ومراكبهم وأزيائهم كأن جميع سكانها سواء في حالة المعيشة ودرجة الثروة.
وفي المنفلوطي نزعة اشتراكية تتجلى على أشدها في هذا الفصل في قوله: وحسب الرجل من البشر بيت يؤويه ومزرعة صغيرة يقتات منها ودابة تحمل أثقاله ثم لا شأن له فيما سوى ذلك.