الماء وقوله أيضاً: وهناك أحسست بسلسبيل بارد من الأمل يتسرب إلى قلبي فينقع غلته ويطفئ لوعته وقوله في مقالة يخاطب بها المحزون: أنت حزين لأن نجماً زاهراً من الأمل كان يتراءى لك في سماء حياتك فيملأ عينك نوراً وقلبك سروراً، وما هي الأكر الطرف إن افتقدته فما وجدته وقوله: ابتسامة هادئة الخ. . .
وقد أجاد الشيخ في مقالة غرفة الأحزان أيما إجادة حتى أن قارئ القصة ليجد أثرها في نفسه بعد قراءته لها في دمعة تترقرق في جفنه فتنم عن عواطفه وشعوره. وما هي لو علمت إلا جائزة القلب إلى البراع الذي خط تلك السطور بأسلوب يتدفق شعراً وشعوراً. ولا يسعه إلا أن يكبر ذلك الوصف الذي ألم بعامة أطراف الحادثة إكباراً فكان جائعاً لما تشعر به النفس من دبيب الآلام واعياً لما يصدر عن النفس السامية من شريف العواطف.
٦ ـ
روح المؤلف
إذا صحت النظرية القائلة الكتابة صورة الكاتب جاز لنا أن نحكم على المنفلوطي أنه من جماعة المتشائمين ولكن لا في مذهب من المذاهب الفلسفية أو التاريخية أو السياسية بل هو من يرون أن لا سعادة في الحياة ولا هناء وإن من العبث أن يلقي المرء بنفسه إلى التهلكة في معترك الحياة ما دامت الرذائل آخذة من النفوس مآخذها وإن ما نسميه فضيلة ليس إلا خداعاً ورياءً ونفاقاً دعيت بالفضيلة وهي ليس لها ظل في هذا الوجود.
هو ينظر إلى المجتمع نظر الحانق الناقم لأنه يعتقد أنه مصاب بالسقم في فهمه والاضطراب في تصوره فلا عبرة بحكمه ولا ثقة بوزنه وتقديره إذ هو يسمي الفقير سافلاً وطيب القلب مغفلاً وطاهر السريرة بليداً والحليم عاجزاً.
وإنك لترى في مقالته أين الفضيلة روح اليأس مجسمة وما يتخيله أو يفكر به هو قد مر بخاطر كثيرين من أدباء المشارقة والمغاربة وكثيراً ما أجهد الكاتب من هؤلاء نفسه ليضع قصة يأتي بها على شرور العالم ومفاسده وكنت كلما مررت بسطر من سطوره تصب اللعنات على هذه الحياة التي تراها مثل الشقاء وتتمثل آنئذ بقول الشاعر العربي الحكيم: