للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البصير لم أحفل بسقام البصر.

وفي هذا المقام لا يصح إغفال ذكر المأمون فهو أول من أسس دار كتب عامة في الإسلام وسماها بيت الحكمة كما أنه أول من أسس مجمعاً للعلوم (أقاذيميا) وسماه دار العلم. هذا فضلاً عن خزانة كتبه الخصوصية التي يروي لنا عنها ابن النديم كل معجب ومطرب.

كان بمدينة الإسكندرية حاكم يسمى خليل ابن شاهين الظاهري اشتهر بتأليفين أحدهما في عالم اليقظة والآخر في عالم المنام فأما الأول فهو كتاب زبدة كشف الممالك في بيان الطرق والمسالك ثم اختصره وسماه زبدة كشف الممالك وهو كتاب مفيد في وصف بلادنا وأعمالها ودواوينها ووظائفها ونظاماتها وغير ذلك من محاسن هذه المملكة مع سرد أبيات مما نظمه بعض ملوكها وسلاطينها إلى غير ذلك من النوادر والفوائد ولا حاجة لي بأن أقول لكم أنه لا يوجد من هذا الأثر النفيس ولا نسخة واحدة مخطوطة بديار مصر كلها وهي وطنه ووطن مؤلفه بل هي موضوعه ومدار بحثه.

أما لكتاب الثاني فقد سماه الإشارات في عالم العبارات والعبارة هي تعبير الرؤيا وتفسير الأحلام واسم العلم بالفرنسوية مأخوذ عن اليونانية.

قال صاحب كشف الظنون: إن كانت العرب في صدر الإسلام لا تعتني بشيءٍ من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها وبالطب فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم لحاجة الناس طراً إليها. وذلك منهم صوناً لقواعد الإسلام وعقائد أهله عن تطرق الخلل من علوم الأوائل قبل الرسوخ والأحكام وأقول أن الشارع هو الذي دعاهم إلى تقييد العلم على إطلاقه فقد جاء في الحديث الشريف:

العلم صيد والكتبة قيد. قيدوا رحمكم الله علومكم بالكتابة.

أخذ الشاعر قول الشارع فصاغه في بيت سائر ونظم بارع:

العلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقة

ثم مدحوا الكتب كما مدحها فرعون مصر وقياصرة الروم من قبلهم فقال العتابي وهو من أجلاء عصر الأمين والمأمون:

لنا ندماء لا نمل حديثهم ... أمينون مأمونون غيباً ومشهداً

يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... ورأياً وتأديباً وأمراً مسددا