فتكتب السجلات في داره ثم يبعثها للطابع فتطبع وتخرج إليه فتبعث العمال وينفذون على يديه. نعم إن هذا النص سقيم ويحتاج إلى تقويم ولا بد من مراجعة الأصل وتقويته بنصوص أخرى. وربما كان المراد وضع الطابع عليها. ولكن هذا الغرض بعيد لأن الطابع عل ما نفهم لا يصح وجوده بيد غير الوزير كما هو معهود في الدول الإسلامية حتى إلى الآن في الباب العالي. والأظهر أن ذلك يشير إلى إخراج نسخ متعددة من مطبعة حجرية لتبليغها إلى أهل الولايات ورؤوس الواحات.
أما الخطوة الثالثة النهائية فلنا عليها دليل مما أورد لساد الدين ابن الخطيب في كتابه المترجم بالإحاطة في أخبار غرناطة قال في ترجمة الشيخ أبي بكر القدسي ما نصه:
وألف كتاب الدرة المكنونة في محاسن أسبطبونة وألف تأليفاً حسناً في ترحيل الشمس ومتوسطات البحر ومعرفة الأوقات بالأقدام ونظم أرجوزة في شرح ملاحن ابن دويدار وأرجوزة في شرح كتاب الفصح ورفع الوزير الحكيم كتاباً في الخواص وصنعه الأمدة وآلة طبع الكتاب غريب في معناه).
هذه العبارة اكتشفها اثنان من علماء الإفرنج تمكنا منها بشرح طويل في جرنال آسيا سنة ١٨٥٢ فأنتم ترون فضل عجم أوربا في البحث والتنقيب عن مآثر العرب. نعم إنهما أرادا تصحيح العبارة العربية من حيث استقامة الكلام وتصورا أن فيها بعض الالتباس والإبهام. فأخذ أحدهما يصحح الجملة الأخيرة بما ليس له محل من الإعراب فقال (كتاب باقي خواس وصنعة آلة طبع الكتب كتاباً غريباً في معناه) ولا يصح لنا أن هزأ بهم بسبب هذا التصحيح العليل السقيم وما فاته من الأعراض أما الجوهر هو أنهما اكتشفا هذا البرهان الدال على أن هذه الصناعة وجدت في أيام العرب ولو من باب النظريات العلمية إذ لم تجد لها للآن أثراً علمياً محسوساً ومن المعلوم أن الأمدة (جمع مداد) تحتاج لتركيب مخصوص لكي تخرج منها نسخ متعددة فلذلك كان المؤلف الأندلسي بين صنعتها وبين طبع الكتاب. ولما كان هذا الاستنباط البديع الغريب لم يسبق له مثال بالأندلس رأى صاحب الإحاطة وجب التنبيه على فضل الكتاب فقال: غريب في معناه.
فأين أين ذلك الكتاب الذي ألفه القدسي ووصفه لسان الدين ابن الخطيب بأنه غريب في معناه.