وأما الأندلس فقد ترقت إلى ما وراء هذه الخطوة الأولى فقد كان للأندلس في هذا الباب ثلاث خطوات.
الأولى أنهم قلدوا مصر في عهد الفواطم ولكن أثرهم لا زال باقياً في ديارهم وها أنا أطرفكم بصورة فتوغرافية منه كهدية للعهد السعيد وهي صورة الطابع الذي كان يستعمله أهل الأندلس في مدينة المرية عثروا عليه في أطلالها وخرائبها وهو مصنوع من الخشب والكتابة التي عليه تدل على أنه كان مستعملاً في قيسارية المرية ولفظة قيسارية تدل على السوق ولا تزال مستعملة بهذا المعنى في القاهرة وفي كثير من مدائن الشرق وأصلها مشتق من اسم قيصر كما أنه اسم موضوع للدلالة على مدائن كثيرة بآسيا الصغرى منسوبة إلى قيصر ورشك أن هذا الطابع كان مستعملاً بصفة الدمغة (التمغة) التي كانت مستعملة في مصر إلى عهد قريب لوضعها على الأقمشة الزعابيط في نظير تأدية الرسوم المطلوبة لخزينة الحكومة.
كذلك كان ذلك الطابع يوضع على الأقمشة والطرود التي يجب دفع الرسوم عليها قبل دخولها إلى السوق أي القيسارية في تلك المدينة مدينة المرية كما يستفاد من الكلمات المكتوبة فيه وهي: طابع قيسارية المرية عام خمسين وسبعمائة.
وأما الخطوة الثانية فهي أن الإشراف على دار الطباعة كان من خطط الدولة. بدلكم على ذلك النص العربي الذي نبه إليه العلامة جايانجوس الإسباني وهذا النص وارد في كتاب (الحلل السيرا) لابن البار الأندلسي المشهور وقدطبع العرمة دوزي الهولاندي قطعة وافرة من هذا الكتاب الثمين في مدينة ليدن من سنة ١٨٤٧ إلى ١٨٥١. وأنتم تعلمون أن الأبار هو الذي أرسله صاحب الأندلس ليستنجد بصاحب تونس. وهو ذلك الرسول الذي وقف بحضرة ملك تونس وأنشده تلك القصيدة الطنانة الرنانة التي تستفز الجبان ويلين لها قلب الجماد. قال في مطلعها:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى مناجاتها درسا
وحل الشاهد أن ابن الأبار يقول في كتابه المذكور أن عبد الرحمن الناصر الخليفة الأكبر (ولى بدر بن أحمد الوزارة الحجابة والقيادة والخيل والبردوكان ينفرد (أي بدر) بالولايات