الأراضي هنا كما يتضاعف دخلها وتكثر أشجارها ومواشيها والعلم لا ينتشر إلا إذا هب أعيان البلاد وعقلاؤها إلى إنشاء مدارس لأبنائهم خاصة تجري على غير الخطة التي يسير عليها ديوان المعارف. تسير في التعليم على طريقة يتعلم بها الفلاحون لغتهم فقط بحيث يقرؤون ويكتبون فيها في الجملة ويعرفون المبادئ الأولى من الحساب والطبيعة والنبات والحيوان وشيئاً من تربية المواشي وحفظ الصحة والرياضة البدنية وأصول الدين. يعلمون كل ذلك بالعمل أكثر من النظر.
فلو قامت في كل قرية من قرى قلمون مدرسة ابتدائية كالتي أنشأها في جيرود محمد باشا الجيرودي ووقف عليها بستاناً فيه صنوف الثمار لا يقل ريعه السنوي عن عشرة آلاف قرش لأصبح قلمون بعد عشرين سنة أرقى جبال سورية لما فطر عليه أهله من الذكاء والنشاط.
نعم استحق الزعيم المنوه به كل شكر لأنه جرى على غير سنة كبرائنا في السخاء فكان فيما نظن ثاني رجل في هذا القرن الرابع عشر وقف على العلم في سورية مثل هذا الملك الذي لا يقل ثمنه الآن عن ثلاثة آلاف ليرة. والرجل الأول فيما نذكر محمد باشا المحمد من أمراء عكار وقف على مدرسة دينية هناك ما يكفيها. أما سائر أعياننا وأغنياءنا فلم يوفقوا إلا قليلاً إلى وقف ما يوليهم في دنياهم وآخرهم فخراً وذخراً ولعل أعيان هذه البلاد من الأسر العريقة في المجد تقدم بعد الآن بين يدي نجواها من البذل للعلم ما تقر به العين فيحذون بذلك حذو أغنياء الأقاليم في مصر الذين نهضوا بها وما أنشئوه لفلاحيهم من الكتاتيب في بضع سنين ما لا تنهض به أمة تنتظر من حكومتها أن تعلمها في قرن أو قرنين. وليت شعري متى تنبعث من دمشق نفحة من تلك الروح التي انبعثت في القاهرة ففاضت على أقاليم مصر فأحيتها حتى يكون حظ المصرين واحداً في النهوض اليوم كما كان كذلك في القرون الوسطى.