للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أهرمن ويتلفون أعماله فلا يبقى جني على الأرض فيعيش الناس في سعادة كاملة وسلام دائم يتكلمون بلسان واحد ويعيشون متحدين على نمط واحد ووتيرة واحدة وهؤلاء الثلاثة أنبياء سيولدون من نطفة محفوظة في ينبوع ماءٍ صغير لم يهتد إلى مكانه بعد.

وهاذ الاعتقاد الثنائي مستفيض في الشرق منذ القديم حتى أنه يظهر بالتتبع والاستقراء التقليدي إنه كان على عهد عيلام بن سام بن نوح الذي منه تشعب الفرس وقد سرى إلى عدة شيع ونحل وبدع في القرون الأولى وأصبح ركناً بني عليه مذهب الماني الموسوس الفارسي كما لا يغرب على كل مطلع على تاريخ هذه الأمة.

وقد زعم الفرس أيضاً أن للجن مملكة خاصة اسمها عندهم جنستان أي بلاد الجن ويقولون أنها واقعة في الطرف الغربي من أفريقية وقد طالما سماها شعراءهم بأرض المردة والعفاريت: أما العبرانيون والفينيقيون والكلدانيون القدماء فيقولون أن الجن تدخل في البشر فتبليهم بالجنون وهيب تسكن الأرض وتتراءى للناس بهيئات مختلفة حتى أنها تتلبس بأشكال الحيوانات ويستخدمها السحرة والعرافون للأنباء بالمغيبات وكشف المستورات وكل هؤلاء الأمم يعتقدون كالعرب بالقرينة والتابعة والكهانة والسحر ومن يرجع إلى تواريخهم يجدها طافحة بأخبار وأقاصيص تدل على رسوخ هذا الاعتقاد فيهم منذ قرونهم الأولى شأنهم في ذلك شأن سائر الأمم الشرقية سواء.

أما المصريون فقد كانوا يهبون جني نهر النيل في كل عام عروساً حسناء من فتياتهم استرضاء له واستمداداً لفيضه ويجعلون الحيات والهررة وغيرها آلهة وأنصاف آلهة متخذين العجل آبيس أعظم معبود لهم بناء على كون الزراعة ركن معايشهم وقوام رزقهم في بلادهم فهم يكرمونه ويخصونه بأفضل أنواع العبادات ليمد الثيران من سائر بني جنسه بقوة من عنده تكفيهم مؤونة الحرث والفلاحة التي لم يجدوا إليها سبيلاً في تلك الأزمنة إلا بتسخير البقر.

ومع أن الأقدمين منهم كانوا في طليعة غيرهم من الأمم علماً ومدنية وتهذيباً كانت عقائدهم الخرافية في غاية السخف وقد زادهم فيها استرسالاً اجتياح اليونان ثم الرومان لبلادهم واستيلاؤهم عليها ردحاً من الدهر إذ قد أضيف ما عند هؤلاء من مضحكات العقائد ومبكياتها إلى ما عندهم منها حتى أصبحت مزيجاً جامعاً ما لم تجمعه أمة قبل ولا بعد.