للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا مجمل ما ورد متفرقاً في أسفار السلف وأساطيرهم_من كل أمة ونحلة_برهاناً على كون الاعتقاد بالأرواح الخفية كالجن والعفاريت والمردة إنما هو مرافق حياة البشر في قرونهم الأولى من كل جيل وجنس ومذهب ولكن على أنحاء متضاربة ووجوه متباينة واختلاف كثير في وصفها وتكييفها وتعيين قواها وطبائعها وتحديد ماهيتها ومراتب تأثيرها في أعمال الخلق وشؤونهم إلى غير ذلك مما لم يقع عليه الإجماع التام بين شعب وشعب وأمة وأمة.

ومما يجب التنبيه إليه أنه قام في كل صقع وبين كل قوم رجال أفذاذ من أبناء العصور الغابرة قائلين بما يقوله اليوم أكثر علماء الغربيين وبعض الشرقيين من أن هذه الأرواح_الضارة_لا وجود لها إلا في مخيلات الناس وأوهامهم يبعثهم على تصورها والجزم بوجودها ما يتعاورهم من الأماني والمخاوف والانفعالات المتناقضة فيما يعرض لهم من أحوال هذه الحياة الدنيا الكثيرة الكوارث والشجون مضافاً إلى ذلك ما يتوارثونه من عقائد الآباء ويتناقلونه خلف عن سلف من ترهات وعجائزيات قد أبان على تبجينها في أذهانهم ما أسدله الجهل على بصائرهم من كثيف الحجب في أعصر الظلمات ولاسيما أثناء القرون الوسطى التي استحكمت فيها المنازعات الدينية والأحن المذهبية_مسببة عن أطماع الملوك_حتى ألبست الأرض أرجواناً من الدم.

فما بدأ يتفجر في أفق العالم الغربي نور العلم الصحيح المبني على التثبت والاستقراء الحسي حتى أخذ يتقلص في تلك الأصقاع ظل الاعتقاد بوجود أرواح تتأثر بني الإنسان متداخلة في أمورهم ومصايرهم فاعلة في شواعرهم وهواجسهم ضاغطة على حركاتهم وسكناتهم في معايشهم ومرتزقاتهم وكان ذلك في أواسط القرن الثامن عشر حتى إذا أشرف محيا القرن العشرين من نافذة الدهر تلاشى أو كاد مذهب من يرى أن في العالم المحجوب قوة تناوئ إرادة الله وتناهض عباده كما يزعم الثنائيون من الأمم ومعظم المتدينين من الفلاسفة والمفكرين في أيامنا هذه يذهبون إلى أنه قبل انقضاء هذا القرن قد لا يبقى على وجه البسيطة من يصدق بوجود فاعل فوق الطبيعة غير الحق عز وجل وهو سبحانه أعلم بما يتخرصون.

دمشق: