من أين يلزم الترك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه وأن يتخذوه حكماً لهم وعليهم وقاضياً بينهم ما شهد له قبلوه وما أنكره رفضوه. قال متى: إنما يلزم ذلك لأن المنطق بحث عن الأغراض المعقولة والمعاني المدركة وتصفح للخواطر السانحة والسوانح الهاجسة والناس في المعقولات سواء ألا ترى أن أربعة وأربعة ثمانية عند جميع الأمم وكذلك ما أشبهه. قال أبو سعيد: لو كانت المطلوبات بالعقل والمذكورات باللفظ ترجع مع شعبها المختلفة وطرائقها المتباينة إلى هذه المرتبة البينة في أربعة وأربعة إنهما ثمانية زال الاختلاف وحضر الاتفاق وطلكن ليس الأمر هكذا ولقد موهت بهذا المثال ولكم عادة في مثل هذا التمويه ولكن ندع هذا أيضاً إذا كانت الأغراض المعقولة والمعاني المدركة لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة. قال: نعم. قال أخطأت: قل في هذا الموضع بلى. قال متى: بل أنا أقلدك مثل هذا. قال أبو سعيد: فأنت إذاً لست تدعونا إلى علم المنطق بل إلى علم تعلم اللغة اليونانية وأنت لا تعرف لغة يونان فكيف صرت تدعو إلى لغة لا تفي بها وقد عفت منذ زمان طويل وباد أهلها وانقرض القوم الذين كانوا يتفاوضون بها ويتفاهمون أغراضهم بتصرفها على أنك تنقل من السريانية فما تقول في معان متهولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانية ثم من هذه إلى لغة أخرى عربية. قال متى: يونان وإن بادت مع لغتها فإن الترجمة قد حفظت الأغراض وأدت المعاني وأخلصت الحقائق. قال أبو سعيد: إذا سلمنا لك أن الترجمة صدقت وما كذبت وقومت وما حرفت ووزنت وما جزفت ولا نقصت ولا زادت ولا قدمت ولا أخرت ولا أخلت بمعنى الخاص والعام ولا بأخص الخاص ولا بأعم العام وإن كان هذا لا يكون وليس في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني فكأنك تقول بعد هذا لا حجة إلى عقول يونان ولا برهان إلا ما وصفوه ولا حقيقة إلا ما أبرزوه. قال متى: لا ولكنهم من بين الأمم أصحاب عناية بالحكمة والبحث عن ظاهر هذا العالم وباطنه وعن كل ما يتصل به وينفصل عنه وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر وانتشر ما انتشر وفشا ما فشا ونشأ ما نشأ من أنواع العلم وأصناف الصناعة ولم نجد هذا عند غيرهم. قال أبو سعيد: أخطأت وتعصبت وملت مع الهوى فإن العلم مبثوث في العالم ولهذا قال القائل: