وكذلك الصناعات مفضوضة على جميع من على جديد الأرض ولهذا غلب علم في مكان دون مكان وكثرت صناعة في بقعة دون صناعة وهذا واضح والزيادة مشغلة ومع هذا فإنما كان يصح قولك ويسلم دعواك لو كانت يونان معروفة بين جميع الأمم بالعصمة الغالبة والفطرة الظاهرة والبينة المخالفة وأنهم لو أرادوا أن يخطئوا ما قدروا ولو قصدوا أن يكذبوا ما استطاعوا وأن السكينة نزلت عليهم والحق تكفل بهم والخطأ تبرأ منهم والفضائل لصقت بأصولهم وفروعهم والرذائل بعدت عن جواهرهم وعروقهم وهذا جهل ممن يظن بهم وعناد ممن يدعيه عليهم بل كانوا كغيرهم من الأمم يصيبون في أشياء ويخطئون في أشياء ويصدقون في أمور ويكذبون في أمور ويحسنون في أحوال ويسيئون في أحوال وليس واضع المنطق يونان بأسرها إنما هو رجل منهم وقد أخذ عمن قبله كما أخذ عنه من بعده وليس هو حجة على هذا الخلق الكثير والجم الغفير وله مخالفون منهم ومن غيرهم ومع هذا فالاختلاف في الرأي والنظر والبحث في المسألة والجواب سنخ وطبيعة فكيف يجوز أن يأتي رجل بشيءٍ يرفع به هذا الخلاف أو يحله أو يؤثر فيه هيهات هذا محال. ولقد بقي العالم بعد منط قه على ما كان قبل منط قه وامسح وجهك بالسلوة عن شيءٍ لا يستطاع لأنه مفتقد بالفطرة والطباع وأنت فلو فرغت بالك وصرفت عنايتك إلى معرفة هذه اللغة التي تحاورنا بها وتجارينا فيها وتدرس أصحابك بمفهوم أهلها وتدرس كتب يونان بعادة أصحابها لعلمت أنك غني عن معاني يونان كما أنك غني عن لغة يونان وها هنا مسألة: أتقول أن الناس عقولهم مختلفة وأنصباؤهم منها متفاوتة. قال: بالطبيعة. قال: فكيف يجوز أن يكون ها هنا شيءٌ يرتفع به الاختلاف الطبيعية والتفاوت الأصلي. قال متى: هذا قد مر في جملة كلامك آنفاً. قال أبو سعيد: فهل وصلته بجواب قاطع وبيان ناصع دع عنك هذا أسألك عن حرف واحد هو دائر في كلام العرب ومعانيه متميزة عند أهل العقل فاستخرج أنت معانيه من ناحية منطق أرسطاطاليس الذي تدل به وتباهي بتفخيمه وهو الواو وما أحكامه وكيف مواقعه وهل هو على وجه واحد أو وجوه. فهبت متى وقال: هذا نحو والنحو لم أنظر فيه لأن لا حاجة بالمنطقي إلى النحو وبالنحوي حاجة إلى المنطق لأن المنطق يبحث عن المعنى والمنطق يبحث عن اللفظ فإن مر المنطقي باللفظ فبالعرض وإن عبر النحوي بالمعنى فبالعرض والمعنى أشرف من اللفظ واللفظ أوضح من المعى. قال أبو