تزعم أن المعاني حاصلة بالعقل والفحص والفكر فلم يبق إلا أحكام اللغة فلم تزري على اللغة العربية وأنت تشرح كتب أرسطاطليس بها من جهلك بحقيقتها وحدثني قائل قال لك عن حالي في معرفة الحقائق والتصفح لها والبحث عنها حال قوم كانوا قبل واضع المنطق أنظر كما نظروا وأتدبر كما تدبروا لأن اللغة قد عرفتها بالمنشأ والوراثة والمعاني نقرت عنها بالنظر والرأي والاعتقاب والاجتهاد وما تقول له لا يصح له هذا الحكم ولا يستثب هذا الأمر لأنه لم يعرف هذه الموجودات من الطريقة التي عرفتها أنت ولعلك تفرح بتقليدك وإن كان على باطل أكثر مما يفرح باستبداده وإن كان على حق وهذا هو الجهل المبين والحكم غير المستبين. ومع هذا حدثني عن الواو وما حكمه فإني أريد أن أبين أن تفخيمك للمنطق لا يغني عنك شيئاً. وإن تجهل حرفاً واحداً من اللغة التي تدعو بها إلى الحكمة اليونانية ومن جهل حرفاً واحداً أمكن أن يجهل اللغة بكاملها وإن كان لا يجهلها كلها ولكن يجهل بعضها فلعله يجهل ما يحتاج إليه ولا ينفعه فيه علم بما لا يحتاج وهذه رتبة العامة أو هي رتبة فوق العامة بقدر يسير فلم يتأبى على هذا وينكر ويتوهم أنه من الخاصة وخاصة الخاصة وأنه يعرف سر الكلام وغامض الحكمة وخفي القياس وصحيح البرهان وإنما سألتك عن معاني حرف واحد فكيف لو نثرت عليك الحروف كلها وطالبتك بمعانيها ومواضعها التي لها بالحق والتي لها بالتجوز وسمعتكم تقولون في لا يعلم النحويون مواقعها وإنما يقولون هي للوعاء كما يقولون أن الباء للإلصاق وإن في تقال على وجوه يقال الشيء في الوعاء والإناء والمكان والسائس في السياسة والسياسة في السائس ألا ترى هذا الشقيق هو من عقول يونان ومن ناحية لغتها ولا يجوز أن يعقل هذا بعقول الهند والترك والعرب فهذا جهل من كل من يدعيه وخطل من القول الذي أفاض النحوي إذ قال في للوعاء فقد أفصح في الجملة عن المعنى الصحيح وكنى مع ذلك عن الوجوه التي تظهر بالتفصيل ومثل هذا كثير وهو كاف في موضع السكيت. فقال ابن الفرات أيها الشيخ الموفق أجبه بالبيان عن مواقع الواو حتى تكون اشد في إفحامه وحقق عند الجماعة ما هو عاجز عنه ومع ذلك فهو متشيع به. فقال أبو سعيد: للواو وجوه ومواقع منها معنى العطف في قولك أكرمت زيداً وعمراً ومنها القسم في قولك والله لقد كان كذا وكذا ومنها الائتناف كقولك خرجت وزيداً قائم لأن الكلام بعد ابتداء وخبر ومنها معنى رب التي هي للتقليل