للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشاهد في حال حمص إذا قيست بغيرها بالنظر لموقعها وحالها وكثرة المهاجرين منها إلى مصر وأميركا فإنا نراها آخذة نحو الرقي وهي لا تتجاوز الخمسين ألف نسمة أكثر من حلب التي تربو عَلَى مائتين وشتان بين مركز قضاء من أعماله عشرات من القرى والمزارع وبين قاعدة ولاية عظمى من بعض عمالاتها إنطاكية والرها ومرعش بل ألوف من القرى والمزارع العامرة الغنية وتجارة واسعة تمتد إلى بغداد وإلى ولايات الأناضول كافة بل كانت فيما مضى دار ملك بني حمدان.

ولكن الحلبيين ابتلوا بما ابتليت به من قبل بعض الحواضر والعواصم كالآستانة التي يعول أهلها عَلَى الحكومة في ترقيتهم وكاد بعضهم يتناسون لسانهم ليتعلموا اللسان الرسمي فيتسنى لهم به أن يتوسد إليهم الوظائف التي تتلمظ بحلوائها شفاه كل وكلة تكلة يحب أن يعيش كالحلمات الطفيلية بامتصاص دم غيره.

أمام الأمة اليوم طرق ثلاث تسلكها أو أحدها للخلاص من ربقة الجهل ومصافحة أنامل الحضارة عَلَى ما يجب وبقدر ما يجب وهي إما أن تضع جميع أمانيها بالحكومة وتنتظر الفرج يأتيها عَلَى يد نظارة معارفها وهو بعيد الحصول قليل الثمرة مهما برقشه المبرقشون وزينه السائسون والحاكمون.

فنظارة المعارف العثمانية قد سنت نظام التعليم الابتدائي والثانوي والعالي بحيث يلاءم الآستانة وبعض ولايات الأناضول التي يتكلم أهلها بالتركية ولم تسنه بحيث لم ينطبق مع حاجة ابن قوصوه ويانيا ومناستر وأشقوردة مع حاجة ابن وان وأرضروم وتبليس ومعمورة العزيز أو سورية وبيروت وطرابلس الغرب واليمن. فالذين سنوا قانون المعارف كانوا متأثرين بعوامل حب قوميتهم ولسانهم فلم ينظروا إلى الأثر النافع الواجب إعطاؤه لأهل كل إقليم بحسب محيطهم ومزاجهم بل سنوه وأكثرهم لا يعرف من حال الولايات إلا النزر اليسير الذي لا يخول صاحبه حق التشريع لأنة مختلفة اللهجات والحاجات.

وبعد فإنا لا نعرف كيف نعلل إجبار ابن جبل عجلون عَلَى دراسة التركية قبل أن ينال حظاً من لغته. فإذا حملناه عَلَى تلقف لغة أجنبية قبل أن يحكم أصول لغته هل يكون فائدة منه لأمته ووطنه يا ترى؟ وهل بدراسة مختلة الأسلوب يتيسر لنا أن نترّك هذا العجلوني مادام لا غنية له عن بلاده وقد لا يخرج منها إلا لقضاء الخدمة في الجندية ثم يعود لمحراثه