أليس الأولى له أن يتعلم من لغته القدر اللازم من كتابة وقراءة وبعض العلوم العملية الضرورية؟ وكيف يتيسر عن غريب عن لغة لا يعاينها ولا يسمع لهجتها ولا يقرأ آدابها أن يستطيع بها التعبير عن مقاصده في مثل هذه المدة القصيرة من دراستها. أما هو أنفع للدولة والأمة إذا تعلم هذا الفلاح باللغة التي هي أقرب إليه وانصرف إلى أرضه وزرعه أكثر من تعليمه لغة صعبة عليه لا تنفعه إلا إذا طمح للاستخدام في الوظائف الإدارية والعسكرية ومن يبقى عند ذلك يا ترى للتوفر عَلَى إخراج ثروة البلاد والإنفاق عَلَى هذا الجيش الكثير العدد والعدد وسائر ما يشترك العثمانيون في تسديده في ميزانيتهم من النفقات.
إن معنى الوقوف بالعجلونيين عند حد تلقين مبادئ التركية هو أن الحكومة تريد أن تجعل من جمهور الأمة حكاماً وأمراءَ وضباطاً حتى تكون مادة حياة البلاد آخذة بالدثور ويصبح الناس كلهم كمسلمي الآستانة لا يحلمون بغير الوظائف ولا يرون السعادة إلا من طريقها.
هذا مات كان من إصلاح نظارة المعارف في البلاد العربية أما مدارس الأجانب فلا تخلو أيضاً من مضار لأن معظمها يأتينا باسم النصرانية ليلقنها الموافق والمخالف وينشر آداب لغته وحب بلاده فترى التلميذ يتخرج من تلك المدارس وهي أرقى من المدارس العالية في الآستانة أيضاً ملماً بلغته ولكنه محكماً اللغة التي تلقى مبادئ العلوم وجاهلاً كل الجهل بما ينفع بلاده وقد لا يعرف من تاريخها وعمرانها واجتماعها أكثر مما يعرف عامة الطليان والأسبان عنا فلا يلبث وقد زينوا له حال الغرب أن ينقلب إليها مهاجراً فكأن هذه المدارس برزخ تنقل الدارسين فيها من وطنهم لتعدهم خدمة لأوطان أخرى وبفضل تلك المدارس هاجر من سورية زهاء ثلثمائة ألف نسمة وبعضهم من المتعلمين يطلبون الرزق في جمهوريات الشمال والجنوب من أميركا ومستعمرات أفريقية فخربت بذهابهم بلادهم وهم لم يستفيدوا بقدر ما فادوا به.
ومن ثم لم يبق لنا سوى الأمر الثالث الذي يجب علينا الاعتماد عليه الآن لنهوضنا ونعني به المدارس الأهلية والسعي في تحسين حالتها المادية والأدبية فهذا النوع من المدارس هو هو معقد آمالنا ومنه تنبعث شعلة نور الحق وتأييد كلمة الوطنية وتحيا اللغة العربية فلو