أنشئت مثلاً في كل بلدة وقرية مدرسة أهلية كالمدرسة العثمانية والمدرسة العلمية في دمشق والمدرسة العثمانية ودار العلوم في بيروت مثلاً ووسد التدريس فيها إلى خيرة رجال العلم والأدب يثقفون العقول عَلَى منازع الفضيلة وحب الوطن والسعي إلى الكمال العقلي لنشأ لنا منها بعد زمن وإن كانت بدرجتها أدنى من المدارس الثانوية وأرقى من الابتدائية ناشئة تستطيع أن تعمل كل عمل وتستعد إلى التبريز فيه لأنها تكون عارفة بتاريخ بلادها وعظمة أمتها ومنزلة لغتها من لغات الشرق والغرب تنفع بما تعلمته العامة قبل الخاصة.
شاهدنا غير واحد من أهل هذه البلاد ممن درسوا في مدراس الأجانب العالية فأحكموا لغة أوربية أو درسوا في مدارس الحكومة العالية فأحكموا اللغة التركية فما رأيناهم إلا قاصرين غير نافعين لأنهم ضعفاء في التعبير عن مقاصدهم بلغتهم وشاهدنا من عانوا لغتهم وشدوا شيئاً من آدابها فاقتدروا عَلَى الكتابة والخطابة فيها مع ما أحكموه من اللغات الأجنبية والعلوم الحديثة وأصبح العلم الذي درسوه ملكاً لهمم لا ملكاً لهم يصورونه متى شاؤا في المظهر اللائق به فينتقلون من أسباب المدنية ما يطبقونه عَلَى مصلحة بلادهم لأنهم يعرفون داءها ودواءها ويشعرون بالواجب عليهم لها.
رأينا أكثر من أحكموا اللغات الأعجمية الأجنبية إحكام أبنائها لها إذا قضي عليهم أن يبقوا في أرضهم بعد سن الدراسة صماً بكماً في المجالس عمياً عن مصالح الأمة والبلاد لا يحسنون المدخل والمخرج دأبهم التأفف من أهل بلدهم لأنهم لا يفهمونهم وما ذلك إلا لأن تلك اللغة التي أحكموها وزهدوا في لغة آبائهم قد نقلتهم إلى عداد أهل تلك اللغة فكثروا سواد العرفين بها ولو تعلموا العلوم بلغتهم لنقلوها إليها فزادوها قوة بدلاً من أن تزيد بضعفهم ضعفاً.
وأحسن واسطة لإرضاء العناصر العثمانية التي لا تقل عن اثني عشر عنصراً تتكلم باثنتي عشرة لغة مختلفة أن تترك حرية التعلم لكل عنصر يتعلم لغته وبعض ما يبدو غناؤه من اللغات الأخرى والعلوم وبذلك يسهل إشراب القلوب محبة الوطنية وتحضير العامة عَلَى أسرع صورة مقبولة وربطهم برباط الوحدة العثمانية ومن أحب الاستخدام يدخل المدارس الثانوية فيحكم التركية ومن أحب الاتجار والتمحض للعلم يحكم لغة راقية من لغات أوربا مشفوعة بالعلم الذي يلزمه الإخصاءُ فيه فإن الفلاخي والبلغاري والرومي والأرناؤدي