للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمنح للمدارس الصناعية العالية لقب دكتور أنتم تعلمون أنني تحملت مقاومات شديدة في هذا السبيل أما اليوم فقد اضمحلت وقد أردت أن أجعل للمدارس الصناعية المقام الأول لما لها من المنزلة السامية لا من حيث العلم العملي بل من حيث الوجهة الاجتماعية. ونظام هذه المدارس واحد وتعليمها واحد اللهم أن بعضها تبذل العناية في فروع تمس حاجة أقطارها لها مثل مدرسة أكس لاشبل التي تعنى بتعدين المناجم كل العناية ومدرسة دانزيك التي تعنى ببناء السفن. وكان من ظفر هذه المدارس بإعطاء لقب دكتور أكبر دليل عَلَى غلبة الحديث عَلَى القديم.

ومدة الدراسة في المدارس الصناعية أربع سنين يدخلها من بيده من الوطنيين أو الأجانب شهادة من مدرسة ثانوية وفيها يتجلى ميل الألمان للإخصاء فيعلمون ما يعلمه غيرهم من الأمم فرداً واحداً لخمسة أفراد قائلين أن الذهن لا يتسع لإكثار المواد عليه ففي مدرسة هانوفر مثلاً أناس يتعلمون فن البناء وآخرون الهندسة وغيرهم علم الحيل (الميكانيك) وغيرهم الكيمياء الصرفة وآخرون الكيمياء الكهربائية وغيرهم إجماليات وفيهم ٩٠٨ تلامذة و١٩٤ تلميذة و١٥٥ مستمعاً وبين الجميع ٥٩ أجنبياً من أمم مختلفة والدروس عملية أكثر منها نظرية وهذه المدرسة خارجية يتناول التلامذة طعامهم قبل الدخول إليها وينقطعون عن العمل بعد ظهر السبت إلى صباح الاثنين كل أسبوع والألمان لا يحرصون عَلَى تعليم الهندسة لأذكى أذكيائهم بل يريدون أن يجعلوها قريبة المنال من كل أحد وهم يستعملون كل الطرق التي يرونها نافعة لئلا يتعبوا الفكر غير طائل بإغراقه مدة ساعات في قراءة صورة لذلك ترى الأساتذة يأخذون تلامذتهم إلى معامل خاصة وكثيراً ما تكون بعيدة عن المدرسة ليطلعوهم بالعمل عَلَى ما ينبغي لهم الاطلاع عليه من الآلات والأدوات كل معامل المدرسة وغرفها وحجر كتبها وصفوفها منارة بالكهربائية أو الغاز عَلَى صورة لا تضر بصحة عيون الطلبة حتى أنه ليقل جداً عدد الحسر بين الألمان لشدة العناية بصحة العيون. ومثل ذلك يقال عن مدرسة دانزيك وهي خاصة بأعمال الهندسة للعمارات البحرية وأعمال الري والمرافئ ومجاري الماء وهي كسائر مدارس الصنائع الكبرى أشبه بقصور الملوك منها بالمدارس لما حوت من المرافق والردهات والمماشي والساحات والأدوات وهذه المدرسة قد كلف بناؤها فقط سبعة ملايين فرنك ويكفي أن يتصور القارئ عظمتها إذا