والمقالة الثانية في تهذيب الطفل جاء فيها أن المهذب الحقيقي هو الذي يعلم قليلاً من كل موضوع وكثيراً في موضوع واحد. وتكون تربية الطفل تربية حرة بأن لا يغفل عما يعلمهم من الاهتمام بكل الموضوعات الكبرى والصغرى مثل القصص والرحلات والتواريخ في الحيوانات والنباتات ويجب أن تؤثر الكتب التي لها قيمة أدبية فإن الذوق يتكون منذ الطفولية كالمفردات التي يستعين بها المرء أن يعبر بعد عن أفكاره. ويجب ألا يعتقد بأن الفضيلة تحبب إلى النفس بالتنفير من الرذيلة بل بتحبيب الفضيلة نفسها وما فيها من الخيرات فإن الأبطال الذين أحببناهم وأعجبنا بهم وحاولنا تقليدهم في شبيبتنا يظلون أصدقاءنا يوم نبلغ أشدنا. وبالجملة فالواجب أن يذكر أن القراءة تعلم الأولاد وتسليهم وأن لا يكثر عليهم من الكتب المعلمة ويترك لهم اختيار ما يروقهم منها عَلَى شرط أن تكون لها قيمة أدبية أو أخلاقية أو علمية.
والمقالة الثالثة في تعليم الطفل بالحديث والحوار لأنهما تؤثران في تربيته ولكتن لا مباشرة فإن الدائرة التي يلعبون فيها ويدرسون وبدائع الصنائع التي تلقنهم الجمال والنظام لا اثر لها في إمداد نفوسهم وأذواقهم بقدر حديثهم فإذا تركوا وشأنهم في حديثهم يصبحون وحديثهم نسقاً واحداً غير لائق فعلى المعلم أن يعنى بحديثهم بحيث يكون عاماً أحسن الأحاديث ما كان بحضور النساء لأن بعض مدارس إنكلترا جربت هذه الطريقة فنشأت منها خيرات كثيرة في تربية عقل الطفل.
الأخلاق والعادات
يرى بعضهم اختلافاً في تعيين معنى الطبيعة والعادة وأن الطبيعة والمزاج أو الأخلاق لا تؤثر فيها التربية أو أن التربية إذا استطاعت تغيير الإنسان فلا تعمل إلا عَلَى إبطاله وتلاشيه وعلماء الأخلاق عَلَى اختلاف بينهم في هذا الشأن فقد قال روسو أن التربية ليست سوى العادة لا طائل تحتها وهي عاجزة عن التأثير في المرء لأنها تجد أمامها سدوداً من مقاومات الطبيعة فلا تستطيع تغيير الميل والاستعداد ولا تقف عثرة في سبيل النشوء فليس في مقدرتها إلا أن تنير المرء وتهيئ له سبيل للانبعاث والعمل أو أنها تنشئ للمرء طبيعة ثانية وتبيد الأولى وتشحذ العقول وتعجن الأرواح وتحث الإرادات وتقويها.
فقد اعتاد من يقول بأن الإنسان غير قابل للتربية أن يحتج بأن الشر مغروس في فطرته