عرض واحد من الكرة أناساً مختلفين في طبائعهم من مثل اليابانيين والصينيين واليونان والأتراك. لا جرم أن ينسب ذلك إلى اختلاف العناصر وربما كان لأسلوب المعيشة دخل كبير أيضاً لا تقوم إلا بعض التدابير والذرائع وما قط ازدهرت إلا بين الشعوب المعتدلة.
فالعادة الشائعة باستعمال الأفيون في البلاد العثمانية والصين والهند قد أثرت كالمناخ أو أكثر بل ساعدت كالحكومة أو أشد في تلك البلاد عَلَى توحيش سكانها وجعلهم غير صالحين للمدنية. واستعمال الألكحول هو أيضاً عند أمم أوربا مسألة حياة وموت. وبلسان أعم إن ضرره يلحق بالصحة عن اختياره وكل خطيئة طبيعية لها نتائج أخلاقية واجتماعية. قال سبنسر: قلائل في الناس من يظهر أنهم يفهمون في العالم شيئاً يمكن أن يسمى الخلق الطبيعي. والظاهر أن الناس يعتقدون عَلَى الجملة بأنه يباح لهم بأن يعالجوا أجسامهم عَلَى نحو ما تدرك عقولهم. وأنت ترى الفلاح طماعاً شديداً يقتل نفسه في العمل ويستعمل القسوة مع امرأته وأولاده فستنفد قواهم ويخرب صحتهم كما نرى العامل يضع كسبه في الحانة ويخل بأصول قواعد الصحة في مأكله ومسكنه بل إن عامة الطبقات في البشر تسرف عَلَى نفسها وتبذر في قواها وتعجل الخلل والهرم والعقر إليها وهكذا ضربت المدنية ضربة شديدة بأيدي السواد الأعظم الذين لا يقدرون حق قدرها واختل نظامها المادي بل إن التقدم المادي هو شرط ظاهر في التقدم المعنوي يبعث في الحقيقة من التربية والأخلاق حتى أن الأمم كإنكلترا التي تحترم الرفاهية الحديثة وتتعبد بها وتقصد من ذلك عنايتها بأمور الصحة كعنايتها بالرفاهية نراها تكاد تكون وحدها سائرة في طريق المدنية بقدم راسخة أحسن من الأمم التي لها أفكار خيالية في الحضارة. فخير ما ينظر إليه في التربية أن يلاحظ ما انطوت عليه جوانحنا ومزاجنا وأن نبني نظامنا عَلَى أساس الحياة الطبيعية.
للمزاج تربية أو لا بد له من تربية وقد شوهد بأن المزاج غير ثابت من فطرته لأنه نتيجة المرض والإقليم والنظام الصحي. يثبت ذلك أن المزاج قابل للتحول غير راسخ ما نراه من تحويله لا بوسائط طبيعية بل اجتماعية كالصناعات مثلاً. فالصنعة تروض الإنسان بأجمعه وتتحكم في أذواقه وأفكاره وتقوده في سلوكه بل تعمل في تركيبه الطبيعي. ومن البديهي أن ليس الحداد والمطرز متوحدين في القوة العضلية كما ليس لهما مزاج واحد وأمراضهما