للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يؤثر فيه إلا إذا تكرر عليه غيره وعندئذ يظهر المزاج الآخر أي أن المزاج الأصلي يؤخذ بالمزاج الكسبي وهذا الذي يعتبر كأنه مزاج الأهواء الطبيعية والعادات المكتسبة التي يقضى علينا أن نلاحظها فقط فالمزاج الطبيعي يعرف ويظن ويغلط وهو مفترض مثل شروط التربية ولكن المزاج الكسبي هو نتيجة التربية نعرفه ونثبته فهو عمل من أعمال التجارب الثابتة.

فالمزاج الكسبي هو عبارة عن التبدلات التي تفعل في المزاج بحكم الوراثة_وإن كان يمكن اعتبار الوراثة جزأ من المزاج الطبيعي_ومن التبدلات الطبيعة الخاصة المشتركة بين جميع الناس وهي تنشأ من السن ومن الانقلاب الذي يحدث في الإنسان عند البلوغ مثلاً ثم من مجموع التبدلات العارضة التي تترك آثاراً باقية كنمو المرض أو الأسباب المنتظمة الثابتة كالمناخ وأصول المعيشة والأعمال العادية من جسدية وعقلية.

وقد أدمجنا في جملة أسباب المزاج الكسبي المرض والمانخ وذلك لأنهما يعدلان طبيعتنا وإن كان في اليد تعديلهما لأنه في استطاعة المرء أن يقاوم المرض ويتوقاه بمراعاة قواعد الصحة ويضعفه أو يشفيه بالعرج الخاص به كما أنه يصلح أو يخفف تأثيرات المناخ أو يجعله بحيث يناسبه وإن كان ي الأكثر عرضة لتأثيراته. والمرض بغير تركيبه ويقطع الموازنة بين الأعصاب الحاسة والمحركة وتغلب الأول عَلَى الثاني وهكذا تجد في الأولاد والمعرضين للأمراض حساً رقيقاً وشعوراً قبل أوانه وذكاءً حسناً ويتحول المزاج أيضاً بحسب المناخ فترى في البلاد الباردة القوى العصبية عاملة قوية والقوى الحسية مخدرة ضعيفة وبالعكس ترى أهل البلاد الحارة أما البلاد الرطبة العفنة فالمزاج فيها بلغمي.

ومهما كان من تأثير الأسباب الطبيعية في طبيعتنا فالتربية لها مدخل كبير في إعداد الرجال بل إنها هي المادة والعامل فإنا نجد فيما يستبعدنا سبباً لتحرير رقنا فمن ثم كانت التربية العامل الأكبر في طبيعتنا وإذا كان للمرض والإقليم تأثير فذلك يشعر بأن طبيعتنا قابلة للتحول. فالحرية ليست سوى اسم أطلق عَلَى مرونة تركيبنا الطبيعية والأخلاقي. وفي مكنتنا أن نعارض بين مختلف التأثيرات التي نخضع لنظامها ونكون لها سادة ونطبعها وننجو من تأثيراتها المضرة ونحرر نفوسنا من قيودها.

يكاد يكون تأثير طراز المعيشة كتأثير الإقليم وأحدهما يتغلب عَلَى الآخر فإنك تجد في