نفسه لأنها تنفر من الأعراض والأمراض وكل شيءٍ يطرأ على الإنسان لا يقدر على دفعه مثل النوم واليقظة والضحك والبكاء والغم والسرور والخصب والجدب والغنى والفقر فهو منه تقدست أسماؤه ألا ترى أنه لا يتوعد على فعله ولا يعاقب عليه وما يقدر على دفعه فهو منه مثل أن يريد الكتابة فلا يقع منه البناء ويريد البناء فلا تقع منه الكتابة ومن به الرعشة لا يقدر على إمساك يد ومن ليست به يقدر على إمساكها.
كنت بتنيس وبين يدي إنسان يقرأ ويحزن: يوفدون بالنذر ويخافون ويبكي فخطر لي خاطر فقلت أنا بضد هؤلاء القوم صلوات الله عليهم أنا لا أنذر ولا أفي ولا أخاف شقاء ولا عناء ولو كنت أخاف ما أصبحت محموماً وكنته وحدثني من أثق به ولا أتهمه عن أبيه وكان زاهداً قال: كنت مع أبي بكر الشبلي ببغداد في الجانب الشرقي بباب الطاق فرأينا شاوياً قد أخرج حملاً من التنور كأنه بسرة نضجاً وإلى جانبه قد عمل حلاوى فالوذجاً فوقف ينظر إليهما وهو ساه مفكر فقلت يا مولاي: دعني آخذ من هذا ورقاقاً وخبزاً ومنزلي قريب تشرفني بأن تجعل راحتك اليوم عندي فقال: يا هذا أظننت أني قد اشتهيتهما وإنما فكري في أن الحيوان كله لا يدخل النار إلا بعد الموت ونحن ندخلها أحياء.
يا رب عفوك عن ذي شيبة وجل ... كأنه من حذار النار مجنون
قد كان ذمم أفعالاً مذممة ... أيام ليس له عقل ولا دين
تمت الرسالة والحمد لله ذي الأفضال وصلواته على محمد وخيرة الآل ما فرغت من هذه السوداء حتى ثارت بي السوداء وأنا أعتذر من خطل فيها أو زلل فإن الخطأ مع الاعتذار والاجتهاد والتحري موضوع عن المخطئ ومن ذا الذي يؤتى الكمال فيكمل. قال عمر بن الخطاب: رحم الله امرأ اهتدى إلى عيوبي وأسأله أدام الله عزه تشريفي بالجواب عنها فإن هذه الرسالة على ما بها قد استحسنت وكتبت عني وسمعت مني وشرفتها باسمه وطرزتها بذكره والرسالة التي كتبها الزهرجي إليَّ كانت أكبر الأسباب في دخولي إلى حلب وإذا جاء جواب هذه سيرتها بحلب وغيرها إن شاء الله وبه الثقة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.