بلغراد فحزن السلطان لما نال ملكه حتى مات قهراً سنة ١٧٨٩ وظل خلفه سليم الثالث يحارب تينك الدولتين ولكن ردت الجيوش العثمانية على أعقابها واستولى الظافرون على بندر وغيرها واستولى النمسويون على بلغراد وسائر مدن الطونة وفي خلال ذلك أحبت إنكلترا وبروسيا والنمسا أن تحمل روسيا على توقيف الحرب على العثمانيين لاشتغالهن بثورة فرنسا الأولى ولكن كاترينا صاحبة روسيا رأت الفرصة مناسبة لدوام الحرب وإتمام رغائبها بشأن العثمانية وبولونية إلا أن جيوش العثمانيين ظفروا في عدة مواقع بالجيش الروسي وذلك في البحر الأسود بالقرب من يكي قوله ثم بالقرب من آق ير (سباستبول) وانهزم أمير البحر الروسي في ١٨ أيلول سنة ١٧٩٠ وتبدد أسطوله بعد خمس وستين سنة في ٨ أيلول أي سنة ١٨٥٥ سقطت سباستبول أيضاً وفي خلال ذلك حدثت لروسيا ما شغلها ببولونيا فعقدت الصلح مع الدولة العلية وفي سنة ١٧٩٣ قسمت بولونيا تقسيماً ثانياً وفي سنة ١٧٩٥ قسمت تقسماً ثالثاً بين الدول الثلاث ولم تفه دولة من الدول ببنت شفة في الاعتراض على هذا العمل إلا الدولة العلية التي اعترضت على نزع استقلال بولونيا بالقول والفعل ولكتن قدر فكان واستولت روسيا وبروسيا والنم سا على بلاد البولونيين بعد مذابح يبعث فيها الأرواح بيع المجان.
ولقد عزمت حكومات أوربا سنة ١٨١٥ أن تقيم في فينا مؤتمرا دولياً لتقرير حال السياسة وسعت روسيا أن لا يقبل مندوب من الدولة العلية فنجحت في مسعاها وكان من إثر ذلك أن أخذت روسيا تحرض اليونان والصرب والبلغار من رعايا الدولة العلية على نزع أيديهم من حكومتهم فقضي في دسائسها ألوف من هذه العناصر ومن المسلمين أيضاً.
وحدثت بين سنتي ١٨٤٠ و١٨٤٨ عدة فتن داخلية في البلاد العثمانية وكذلك في بلاد الفلاخ والمجر وتدخل الباب العالي في شؤون ولايات الطونة وأهم ذلك فتنة المجر ولو جرت الدولة العلية على تحالفها مع بولونيا والمجر وعنصراها من العناصر التي تحب العثمانيين كثيراً لنجحت هي وهم من غوائل سياسية كثيرة.
قلنا أن الجولة العلية ناهضت لحفظ استقلال بولونيا بالقول والفعل وذلك على عهد مصطفى الثالث الذي أعلن الحرب على كاترينا الثانية لمجرد الدفاع عن بولونيا فبعثت الدولة الصدر محمد أمين باشا إلى تخوم نهر الطونة ودنيستر سنة ١٧٦٨ فحاولت كاترينا